لم يفوّت وزير الداخلية في حكومة تصريف الاعمال بسام المولوي فرصة الا وانتهزها للتشديد على ان وزارة الداخلية جاهزة لاجراء الانتخابات البلدية والاختيارية اليوم قبل الغد، وعلى ان الشهر المقبل سيشهد بشكل شبه مؤكد اجراء هذا الاستحقاق في موعده. لا يمكن ان يلام المولوي على ما يقوله، لانه يرغب في عدم حمل كرة الانتخابات، ويفضل ان يرميها على الحكومة ومجلس النواب او اي احد آخر، فيكون قد اصاب عصفورين بحجر واحد: ان يظهر للجميع انه قام بما عليه واحترم المواعيد، وان يبقي اسمه في وعاء الاسماء المطروحة للعب دور سياسي في المرحلة المقبلة.

ولكن، ما لم يقله المولوي، قاله عدد من المحافظين والقائمقامين والموظفين في القطاع العام والاساتذة الرسميين وحتى المسؤولين الامنيين، واختصاره ان احداً منهم غير جاهز لاجراء الانتخابات في موعدها. قد يكون المولوي يرغب في اضفاء اجواء ايجابية على الوضع العام في البلد، ولكن في حال لم تجر الانتخابات (وهو السيناريو الاكثر ترجيحاً)، يكون قد اعطى آمالاً زائفة للمواطنين والناخبين وحتى المرشحين. صحيح ان المديرية العامة للاحوال الشخصية وضعت حجر الاساس الذي ترتكز عليه الوزارة لانجاز الاستحقاق الانتخابي، على غرار ما حصل في الانتخابات النيابية الفائتة، متجاوزة مع المديرية العامة للشؤون السياسية واللاجئين، المشاكل الكبيرة على صعيد الجهوزية والتجهيزات اللازمة للمرحلة الاولى من اجراء الانتخابات، ولكن الانتقال الى المرحلة الثانية كلام آخر، وهناك عدة امور يمكن القيام بها من دون ضلوع الوزير والحكومة في المسألة.

اضافة الى ذلك، ما يقوله العديد من المسؤولين المعنيين (الذين تم ذكرهم آنفاً)، هو انهم غير جاهزين لاجراء الانتخابات، وغير مستعدين للمخاطرة في الدخول في هذه المتاهة من دون "عدّة العمل"، ومن دون موازنة كافية تطمئن الجميع على ان هذا الاستحقاق دخل مرحلة الجد ولم يعد فقط محاولة "تسجيل موقف" او "كسب نقاط". واذا كانت الانتخابات النيابية قد تمت بعد تدخل دولي مباشر من الناحيتين التمويلية والتجهيزية، فإن هذه " الهمة الدولية" غائبة حالياً، والوضع يقتصر على تشجيع الخارج على اجراء هذه الانتخابات البلدية، من دون ان تكون اولوية مطلقة. وما ينطبق على الوضع الدولي، ينطبق ايضاً على الوضع الداخلي، فلا الاحزاب متحمّسة، ولا المعنيين من موظفين على استعداد لبذل أيّمجهود اضافي في ظلّ عدم توافر الامكانات المادية واللوجستية، فمن الذي سيتولى توزيع المهام في البلدات والقرى؟ ومن هم الذين سيواكبون ما يدور في اقلام الاقتراع؟ ومن على استعداد لصرف المبالغ الماليّة الضخمة على الماكينات الانتخابية ومواكبة ما يحصل في اقلام الاقتراع؟ ومن اصلاً سيتسلم مهام هذه الاقلام وعمليات الفرز؟ ومن القادر على دفع مبلغ مالي كبير للانتقال الى القرى والبلدات البعيدة لانتخاب مرشّح ما؟ واين هم المرشّحون؟ ومن سيغطّي مصاريف الاجهزة الامنيّة والعسكريّة الاضافيّة لضمان هذه العملية الانخابية التي ترتفع فيها مخاطر الاشكالات كونها تأخذ طابعاً عائلياً مع كل ما يحمله ذلك من تشنّجات؟ كل هذه الامور وغيرها، اغفل عن ذكرها المولوي، في حين ان الاصوات تعلو والشكوى تكثر من النقص الفادح في الامور اليوميّة للمواطنين والموظّفين لجهة تأمين القرطاسية والطوابع والمحابر والاوراق...

من هنا، يمكن القول ان ما لم يقله وزير الداخلية في حكومة صريف الاعمال، هو انّه عملياً، تتفوق نسبة عدم اجراء الانتخابات بشكل كبير على نسبة اجرائها، بغضّ النظر عمّن يتحمّل المسؤوليّة عن ذلك، ولكن الواقع يبقى هو السائد، وما لم تحصل اعجوبة ما، فإن لبنان لن يشهد انتخابات بلديّة واختياريّة. من الافضل مصارحة الناس على الايحاء بأن الامور تسير كما يجب، مع التذكير بأنّه كلّما تمّ تأخير الاجراءات الهادفة الى السير للانتخابات في موعدها، كلما زاد الخطر ونحن على ابواب نحو شهر على الاستحقاق.