نتوقَّفُ بينَ الفترةِ الثانيةِ والثالثَةِ مِن زَمَنِ التِريوديّ في يَومَين استباقِيَّين يُخرِجانِنا مِن الزَمَن الأرضِيّ المَحدود، ويُدخلانِنا في عُمقِ التدبيرِ الخلاصيِّ الذي حقَّقه الرّبُّ بقيامَتِه مِن بينِ الأمواتِ مِن أجل خلاصِنا.

هذانِ اليومانِ هما سبتُ لِعازَر، أو بالأحرى سَبْتُ إقامَةِ لِعازَر، ودخولُ الرّبِّ يسوعَ المسيحِ إلى أورَشليم.

يَضعُنا اليَومُ الأوَّلُ أمامَ هزيمَةِ المَوتِ بصرخَةٍ أطلقَها الرّبُّ يسوع نحوَ الذي بَقِيَ في القبرِ أربعَةَ أيّامٍ حتّى أَنتَنَ. فقد وقفَ الرّبُّ أمامَ قبرِ لِعازرَ وصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: "لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجًا"! حينئذٍ تَحَرَّرَ لِعازَرُ مِن قيودِ المَوتِ، وخرجَ مِن قَبرِهِ حَيًّا.

إنَّ صرخةَ يسوع هذه تَخصُّ كلَّ واحدٍ مِنّا! لا يَنفَكُّ الرَّبُّ واقفًا أمامَنا يَصرخُ صَرخَةَ المحبّةِ المُدَوِّيَة، التي تَشُقُّ صَمتَ الليلِ القاتِم، إلى أن يبزُغَ النُّورُ الحقيقيُّ الذي يُبَدِّدُ كلَّ ظُلمَة.

إذا سَمَحَنا للخطيئَةِ أن تَصُمَّ أُذُنَيْنا الداخِلِيَّة، وَفرِحنا بعُزلتِنا عنِ النِعمةِ الإِلهيَّة، لن نَبقى أمواتًا في قبرِ خطايانا فَحَسب، بل سوفَ نُنتِنُ وَنَهتَرِئ، وَيأكُلُنا دودُ الشَرِّ، وعَفَنُ المعاصي يُتلِفُنا. ولكن حينَ نسمَعُ صوتَه نرتَعشُ، فَتعودَ الحياةُ إلينا مِن جَديد.

هذه هي القيامةُ الحَقيقيَّةُ التي يُريدُها الرّبُّ لنا. فالموتُ الحقيقيُّ هوَ عَدمُ التَّوبةِ والمُكوثُ في السُقوط. فقَبلَ أن تَوَجَّهَ المسيحُ إلى أورَشليمَ ليُصلبَ طَوعًا، وَيقومَ في اليومِ الثالث، قالَ لَنا مِن خِلالِ إقامته لِعازر: ها الموتُ قُد انهزَمَ إلى غَيرِ رجعَة، فَلا تَخشَوهُ بَعدَ الآن، لكنِ احذَروا أن تَموتوا في الروحِ وأنتُم ما زلتُم أحياءَ في الجَسَد، فقوموا الآن والتصِقوا بِسَيِّدِ الحَياة، الذي أنا هُوَ.

كيف لا ويسوع هو الحياة!.

إِنَّ صَدى هذا الكلامِ يَظهرُ جَلِيًّا في خِدمَةِ سَحَرِ سَبتِ لِعازرَ حيثُ نُرتِّل: "اِغفِر لي يا مُخلّصي لأَنَّ مَآثِمي كثيرةٌ هِي، وَمِن أعماقِ الشرورِ أَصعِدني لأَنّي أَصرخُ إِليكَ، فاستَجِب لي يا إِلَهَ خلاصي".

هذا باختصارٍ يومُ سَبتِ لعازر. أمّا اليومُ الذي يَليهِ فَيُعرَفُ بأحَدِ الشَعانين.

تَأتي تَسميَةُ "شَعانين" مِن صَرخَةِ الشَعبِ ليسوعَ وَهُم يَحمِلونَ سُعُفَ النَّخْلِ: "أُوصَنَّا / هُوشَنا/ Hosanna". وهي تأتي من الأراميّة/العبريّة "يَهوَه" خلّص. هكذا ناجى داودُ اللهَ قائِلًا: "آهِ يَا رَبُّ خَلِّصْ! آهِ يَا رَبُّ أَنْقِذْ![1]"، وأنقِذ يا رب الآن.

لا نَنسى أنَّ اسمَ "يَسوع/يَشوع أو يَهويَشَع" مُؤَلَّف مِن كَلِمَتَين “يَهوَه” أيّ "الكائنُ من ذاتِه"، وَتَعني "الله"، و "يَشَع" وَهِيَ فِعلُ "الخلاص"، لِيُصبحَ مِعناهُ بالكامِل: "اللهُ يُخَلِّص".

هذا ما قالَه اللهُ لموسى عنِ اسمِهِ في العَهدِ القَديمِ قَبلَ أن يَتجسَّد. وهَكَذا عَرَّفَ يسوعُ عن نَفسِه عندما سألَهُ اليهودُ: "مَن أَنتَ؟" فأجابَهم: "أنا مِن البَدءِ ما أُكلّمُكم بهِ أيضًا[2]"، و"قَبلَ أن يكونَ إبراهيمُ أنا كائِن[3]". وهذا أيضًا ما جَعلَ رئيسَ الكهنةِ يُمَزِّقُ ثيابَه عندما قال له يسوع: ”أنا هُوَ[4]"!.

إذًا الذي أقامَ لَعازرَ من القبرِ هوَ الخالِق. وهوَ الداخِلُ إلى أورَشليمَ الأرضيَّةِ ليُقيمَنا إلى أورَشليمَ العُلوِيَّةِ السَماويِّة.

بِهَذَين الحدَثَين شَقَّ يسوعُ طريقَ العُبورِ مِن الموتِ إلى الحياة، وما عَلينا إِلّا أن نُجاهِدَ الجِهادَ الحَسن لنَسيرَ معه، ونَصلُبَ أهواءَنا المُميتَة لنَقومَ مَعَه.

"أيُّها المسيحُ الإله. لمَّا أقمتَ لَعازرَ مِن بينِ الأمواتِ قبلَ آلامِك. حقَّقتَ القيامةَ العامَّة. لذلكَ ونحنُ كالأطفال. نحمِلُ علاماتِ الغلَبَةِ والظفر. صارخينَ نحوكَ يا غالبَ الموت. أوصنَّا في الأعالي. مبارَكٌ الآتي باسمِ الرّب."

إنَّ هذهِ التَرتيلةَ هي طروبارِيَّةُ سَبتِ لَعازَر وأَحَدِ الشعانين على حَدٍّ سَواءٌ. فإذا تَفَحَّصناها جيِّدًا، قَبلَ أن نَدخلَ الأسبوعَ العظيمَ مع عريسِنا السَماوِيّ، بَدءًا بِصلاةِ الخَتَنِ الخُشوعيَّة جِدًّا، والتي نُقيمُها مَساءَ أحدِ الشعانين، سَنَسيرُ حَتمًا، بِكُلِّ تواضِعٍ وتَوبَةٍ وصِلاة، في مَسيرةً قِيامِيّةً مع مخلِّصِنا.

إنَّ الكلماتِ الأولى لِهذِهِ الطروبارِيَّةِ مُوجَّهَةٌ إلى الإلهِ المُتجسِّدِ الذاهِبِ إلى الصَلبِ طَوعًا، والذي أَعادَ لِعازَرَ إلى الحياة. لقد فَعلَ الرّبُّ ذلكَ بذاتِ سُلطانِهِ الإِلهيّ، وَليسَ كالأنبياءِ الذينَ تَضَرَّعوا إلى اللهِ ليَستجيبَ صَلواتِهم وَيُقيمَ مَن يُصَلّونَ مِن أَجلِه.

إنَّ إقامَةَ يسوع للِعازَرَ لَهِيَ تَحقيقٌ للقيامَةِ العَامَّة. فالذي يُقيمُ المَوتى، وَالحَيُّ دائِمًا، هُوَ هنا في وَسطِنا. يا لِهَذهِ العَظَمَة! إِنَّ "التجُسُّدَ والصّليبَ والقيامَة" هِيَ كلُّ المَسيحيَّة. ثالوثٌ قُدّوسٌ مُخُلِّصٌ.

أمّا عندَما نقولُ: "لذَلكَ وَنحنُ كالأطفال"، فنَعني بِهِ أَنَّنا وُلِدنا مِن جَديد بالمَسيحِ بِمَعموديَّة دموعِ تَوبتِنا بالروحِ القُدس. هذا تَمامًا ما قَصدَهُ الرّبُّ يسوعُ بكلامِه مع نيقوديموس: "إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ[5]".

لقَد أصبحنا قِيامِيِّينَ مع الرّبِّ الذي أتى إلينا مِن السَّماء ليرفعنا إلى السَّماء، وَأَضحى الصّليبُ حاملًا قُوَّةَ الظَفَر. كلُّ شَيءٍ مَع يسوعَ أَصبحَ جَديدًا. فَهل نَحنُ كَذَلِك؟

إِلى الرَّبِّ نَطلُب.

[1]. مزمور 25:118

[2]. يوحنا 25:8

[3]. يوحنّا 58:8

[4]. مَرقُس ٦٢:١٤

[5]. يوحنّا 5:3.