اشارت صحيفة "الجمهورية" الى ان السؤال الذي يفرض نفسه بقوة في المشهد الداخلي، الذي يعاني اصلاً من فلتان امني وارتفاع معدلات الجريمة بكل انواعها: ماذا يُحضّر للبلد؟ وهل ثمّة إرادة خفيّة لمفاقمة أزمته المالية والاقتصادية الخانقة، وجرّه الى وضع متفجّر مفتوح على احتمالات خطيرة تنسف استقراره وتجهز على ما تبقّى؟

واعتبرت الصحيفة ان "ثمّة اسباب كثيرة تبعث على الخوف من سيناريوهات خطيرة تتهدّد البلد، بدأت تتكشف في الفترة الاخيرة؛ اولاً مع المخطط الخطير لتفجيرات ارهابية، كشفته الصدفة الأمنية، خلال الاسابيع القليلة الماضية، وأُلقي القبض على مصنّع عبوات ناسفة بعد انفجار واحدة من العبوات التي كان يحضّرها المصنّع، وهو من آل الغول - اعترف للمحققين العسكريين بأنّ مشغله اسرائيلي - في المكان نفسه الذي انفجرت فيه عبوة ناسفة في شارع الجاموس في الضاحية الجنوبية قبل يومين وأدّى إلى مقتل امرأة".

وتابعت :" مع الإثارة الخبيثة لملف النازحين السوريّين، وتضخيم اجراءات الإبعاد بحق مرتكبين سوريين ومخالفين لاصول وقواعد الاقامة والعمل، دخلوا الى لبنان خلسة، لا تنطبق على أي منهم صفة نازح، وما رافق ذلك من حملات على اللبنانيين وعلى الجيش اللبناني ودعوات تحريضية من خارج الحدود، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، جاءت في معظمها على لسان بعض مستويات ما تسمّى المعارضة السورية، تدعو النازحين إلى حمل السلاح وتشكيل خلايا ومجموعات لمواجهة اللبنانيين والجيش".

وقد تُرجمت تلك الدعوات باعتداءات على لبنانيين ومحال تجارية نفّذها سوريون في غير منطقة لبنانية، الّا انّ الأخطر في هذا السياق، دخول عامل الارهاب الداعشي على هذا الخط، مع معلومات موثوقة عن اكتظاظ مخيمات النازحين بالعناصر الارهابية، وكذلك انتشار الخلايا النائمة خارجها، وهو ما تؤكّده اعترافات بعض الموقوفين الذين أُلقي القبض عليهم في مناطق مختلفة، وكانوا يحضّرون لعمليات ارهابية، وكذلك تؤكّد ذلك التحرّكات التي تحصل في مختلف المناطق، على ما جرى فجر امس، في بلدة الطيبة، حيث استفاقت البلدة على كتابات وشعارات داعشية على مبنى دار البلدية.

وكانت هذه المستجدات اضافة إلى ملف النازحين بشكل عام، محور بحث بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير الداخلية بسام مولوي، الذي قال من عين التينة: «اكّدنا للرئيس بري اننا عبر الاجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية نطبّق القانون، والمديرية العامة للامن العام ستقوم بدورها. وقد أكّد دولته انّه يجب تطبيق القانون على كافة الاراضي اللبنانية، وضرورة ان يكون وجود السوريين ضمن النظام اللبناني وضمن الإطار اللبناني، ويجب ان يكونوا مسجّلين ودخولهم وخروجهم شرعياً وقانونياً. كما اكّدنا للرئيس بري اننا نقوم بهذا العمل حماية للبنان وللقانون اللبناني وليس تعرّضاً لحقوق الانسان وانما حفظاً لمصلحة الدولة العليا وللنظام العام".

ورأت الصحيفة انه "إزاء ذلك، وفيما استمرت الاجهزة الامنية والعسكرية في اجراءاتها وتدابيرها في وجه فلتان المرتكبين والمتسللين عبر الحدود بصورة غير شرعية، وتوقيف العشرات منهم، وفي الوقت الذي تكشفت فيه فضائح كبرى تحت ستار النزوح، حيث انّه بشهادات جهات لبنانية وسورية وأممية ومنظمات انسانية وكذلك بشهادات النازحين انفسهم، توجد اعداد هائلة من السوريين المخالفين، اقامتهم في الأساس في سوريا، ولا توجد اي اعتبارات امنية او غير امنية تهدّدهم، بل يتلطون تحت ستار النازحين فقط للارتزاق المالي".

واكّد مصدر امني مسؤول لـ"الجمهورية": انّ مهمات جسام ملقاة على عاتق الاجهزة الامنية والعسكرية اللبنانية، ولاسيما لناحية وقف هذا الفلتان والحدّ من تفاقمه الذي بات يشكّل عبئاً كبيراً لا بل خطراً حقيقياً وكبيراً جداً على اماكن انتشاره الذي لا يوفّر منطقة لبنانية، وهي في هذا السبيل تقوم بما امكن لها من قدرات لضبط المخالفين وترحيلهم ولن تتهاون في ذلك، برغم كل التشويش الذي يصدر من هنا وهناك.

واما المهمة الأساس في هذا المجال، يقول المصدر، فهي حفظ أمن المواطنين اللبنانيين وحماية استقرارهم ومنع العبث بأمن البلد. والاجهزة الامنية والعسكرية، برغم الضائقة التي تعانيها، في كامل جهوزيتها واستنفارها، وتبذل اقصى الجهد لحفظ الأمن الداخلي، وتحقق انجازات على هذا الصعيد، بكشف توقيف خلايا تخريبية وارهابية وتوقيف افرادها، حيث يكاد لا يمرّ يوم دون توقيف عناصر مشبوهة ينتمون إلى تنظيمات ارهابية متطرفة.

إلى ذلك، وفي موازاة التقارير التي تفيد عن تحركات مشبوهة تزايدت في الآونة الاخيرة في غير منطقة، أقرّ مرجع أمني لـ"الجمهورية"، بأنّ الوضع الأمني دقيق وحساس للغاية، يوجب التنبّه واتخاذ أقصى درجات الحذر والحيطة من العامل الارهابي وكذلك العامل الاسرائيلي التخريبي، اللذين يبدو انّهما يتسللان من خلف الأزمة الخانقة، لضرب أمن لبنان واستقراره.

وإذ لفت المرجع إلى انّ الاجهزة الامنية والعسكرية حققت انجازات نوعية بكشف خلايا ارهابية نائمة وتوقيف عناصر منتمية أو على ارتباط بمنظمات ارهابية، ولا سيما بتنظيم "داعش"، كشف انّ الاعترافات التي انتُزعت من بعض الموقوفين في الآونة الاخيرة، كشفت عن مخطّط واضح وخطير، معدُّ من خارج الحدود لخلق فتنة في لبنان ونسف استقراره.

إلى ذلك، أعرب مرجع سياسي عن قلق بالغ مما وصفها "التطوّرات الامنية المشبوهة التي تزايدت في هذا التوقيت بالذات"، وقال لـ"الجمهورية": "انّ هذه التطورات التي برزت فجأة، لا يبدو انّ بعدها لبناني فقط، بل لها بعد اقليمي، يُخشى ان يكون القصد منها إشعال شرارة في لبنان تتمدّد إلى الاقليم، لخلق وقائع متفجّرة على اكثر من ساحة، في محاولة خبيثة لنسف التطورات الايجابية التي حصلت في المنطقة، سواء ما يتعلق بالتطور الكبير الذي تجلّى في الإتفاق بين السعودية وايران، وكذلك في الانفتاح العربي، والخليجي تحديداً، على سوريا".

وإذ اشاد المرجع عينه بالجهود التي تبذلها الاجهزة الامنية والعسكرية، شدّد على الحاجة الملحّة الى تحصين الداخل في وجه ما يتهدّده من عواصف مالية واقتصادية واجتماعية، او سيناريوهات ارهابية. والمعبر الوحيد المؤدّي الى ذلك هو المقاربة الواقعية والعاقلة والمسؤولة لواقع البلد، ونزول المكونات السياسية عن صوامع التعطيل وإعلاء مصلحة لبنان وانتخاب رئيس للجمهورية في عملية ديموقراطية وتنافسية تؤسس لانتقال لبنان من حالة الموت السريري التي يعانيها، إلى سكة الإنعاش مع رئيس جديد للجمهورية وحكومة تباشر رحلة الالف ميل في توفير العلاجات اللازمة للأزمة، والّا فإنّ بقاء الحال على ما هو عليه، سيضع لبنان في مهبّ العواصف والسيناريوهات الصعبة التي تلقي به حتماً في غياهب المجهول.

سياسياً، الداخل مقفل رئاسياً بالكامل، فلا حراك سياسياً على اي مستوى في اتجاه كسر التعطيل القائم، ولا كلام مفيداً مباشراً او غير مباشر بين مكونات الصراع الداخلي، حول الملف الرئاسي، فالساحة تبدو مضبوطة، وحتى إشعار آخر، على سجالات ومناكفات بين الخصوم، واجترار المواقف التذكيرية ذاتها بالمواصفات التي يراها هذا الطرف او ذاك في الرئيس العتيد، او بالفيتوات المطروحة من باب الكيد الشخصي والنكد السياسي على اسماء بعض المرشحين.

وعلى الرغم من لغة الكلام الرئاسي المفيدة المعطّلة في الداخل، فإنّ مسؤولًا سياسياً رفيعاً ابلغ إلى "الجمهورية" قوله: "صحيح انّ الوضع الرئاسي في الداخلي جامد بين تناقضات رافضة ان تلتقي مع بعضها البعض على مساحة رئاسية مشتركة، وأي رهان على تحوّل ايجابي في هذا المشهد ليس في محله على الاطلاق. وصحيح انّ الوضع الداخلي المرتبط بالملف الرئاسي محكوم كما هو واضح بما يسمّى توازن التعطيل، حيث انّ كل الاطراف يستطيع ان يعطّل، ويغلق على الآخرين ابواب الحلول ونوافذها. ولكن الصحيح ايضاً هو انّ توازن التعطيل مؤقت، ولن يستمر هذا الوضع على ما هو عليه الى ما شاء الله".

ويراهن المسؤول الكبير على الحراكات الجارية على أكثر من مستوى خارجي حول الملف الرئاسي، "حيث انّ كلّ المؤشرات المحيطة بها تشي بأنّ منسوب الايجابيات أكبر بكثير من ايّ وقت مضى، وستُترجم في الداخل. قد يتطلب ذلك بعض الوقت، انما ليس بالوقت الطويل، حيث سنشهد انقلاباً في المشهد وينكسر توازن التعطيل، ويكون للبنان رئيس للجمهورية حتماً".

ورداً على سؤال اجاب :"كنا نتمنى لو انّ الرئيس يأتي ثمرة توافق داخلي، ولكن مع الاسف، تعطّل الداخل، وصارت هذه المهمة ملقاة على عاتق الخارج، الذي قطع شوطاً مهماً جداً في صياغة تسوية رئاسية لبنانية، لا أقول انّها اكتملت، بل هي في مرحلة الإنضاج النهائي. فدول الاجتماع الخماسي اولويتها إتمام الانتخابات الرئاسية سريعاً، بمعزل عن هوية واسم الرئيس".

وتابع المسؤول عينه قائلاً: "الفرنسيون تحديداً اكثر من جادين وسيكون لهم حضور كبير بات وشيكاً، والسعوديون ليسوا بعيدين عن الفرنسيين، برغم محاولات بعض الداخل إلباس الموقف السعودي ثوباً معطلاً للمسار الرئاسي، من قِبل بعض الاطراف التي أوجعتها ايجابيات الحراكات الخارجية، وباتت تتصرف مع الأسف على قاعدة عليّ وعلى اعدائي، وفق ما لمسناه من مواقف بعض قادة الاحزاب. ولكن على الرغم من ذلك، وكما سبق وقلت، كل الدلائل تؤشر الى انّ خيوط التسوية تُنسج بهدوء، وقد ينام اللبنانيون على أجواء معقّدة وسلبيات، ولكنهم قد يستيقظون على ايجابيات تقلب الواقع رأساً على عقب، وهذا ما سيتأكّد في الآتي من الأيام".

وحول موقف رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع القائل بأنّ مرشح الممانعة لن يصل إلى القصر الجمهوري، قاصداً بذلك رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، وتلويح بعض الكتل النيابية التي تصنّف نفسها معارضة او سيادية، بتعطيل نصاب جلسة الانتخاب، قال المسؤول الكبير: "غير مسموح لا داخلياً ولا خارجياً ان يبقى لبنان اسيراً لبعض الأمزجة والعقليات، فعندما تحين ساعة الجدّ، فكل طرف يعيد حساباته، هكذا تعوّدنا في لبنان. واريد ان الفت هنا إلى ما قاله لي احد العارفين، بأنّ التسوية الرئاسية حينما تكتمل، ستشكّل سيلاً جارفاً، لن يكون في مقدور احد ان يقف في طريقه".