أكّد رئيس "جمعيّة عدل ورحمة"، الأب ​نجيب بعقليني​، أن "الوضعَ داخلَ السُجون مُزرٍ ليس بسبب الأزمةِ الاقتصاديّةِ التي تعصُف بالبلاد فحسب، بل لأن الحُكومات المُتعاقبة أهملَت أوضاعَ السُجون ولم تكن لديها أي نيّة أو متابعة أو تخطيط لتحسينها، ما زادَ من خطورةِ الأوضاعِ المعيشيّةِ والصحيّةِ داخلِها"، موضحا أن "السُجونَ في ​لبنان​ أضحت ساحةً ومِساحةً للعُنف والتمرُّد، وأن السُجناء المحرومين من حريّتهم يُصارعون للبقاء بدل التفتيش عن نيلِ حريّتهم".

وأشار في حديث لقناة "الحرة"، إلى "أن المُفوّضيّة السامية للأُمم المُتّحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR ) كانت تساعد السُجناء السوريين، فنظرًا إلى شراكتِنا معها سابقًا من خلال البرامج، فرضت علينا تخليصَ 80 بالمئة من مُعاملات الملفّات القانونيّة العائدة للسُجناء السوريين وتقديمَ المُساعدات العينيّة ما أثار امتعاض السُجناء اللبنانيين، أما اليوم فانحسرت المُساعدات من قِبلها مما زادَ الأعباءَ على كاهِل إدارةِ السجون".

وطالب النواب بـ"الضغط على الحُكومات لزيادة ميزانية و​موازنة​ قوى الأمن ليوفروا أبسَط مُقوّمات الحياة داخل السُجون، فقبل ما يسمى بالانهيار لم يكن الوضعُ سليمًا لكن الظروف المأساوية التي يمر بها البلد تنعكس سلبًا على الأوضاع داخلِ السجن وتزيدُها سوءًا. أما الأسوأ في واقع السجون اليوم، هو عدم وجود مُحاكمات، وانكفاءٌ في تأمين التغطيةِ الصحيّةِ والاستشفائيّةِ والدواء بسبب قلّة الميزانية المُعطاة من قبل الوزارات المعنيّة، أي من مجلس الوزراء، ما يُؤدي إلى الضغطِ على الجمعيّات لتأمين المساعدات العينيّة من طعام ومستلزمات العيش على حساب عمليّات التأهيل، ما يؤثر سلبًا على السجين الذي يخرُج إلى الحريّة، ولا يستطيعُ الاندماجَ مع المُجتمع أو مع عائلته، بسبب عدم تأهيلِه داخلَ السِجن".

واعتبر أن "تأمينُ الطعام ومُتطلّبات الحياة للسُجناء أمرٌ مهم، لكن الأهمّ توفير المحاكمات، وتعديل قانون المحاكمات الجزائية وإقرار وتعديل السنة السجنية (٦ أشهر) الذي يتحمّل مسؤوليّتُه ​مجلس النواب​ وربما القضاء، والتوقيف الاحتياطي، فضلا عن التأهيل والطبابة"، لافتًا إلى أنه "استُحدثت مَحكمة في رومية عَقدت جلسات على مدى شهرين أو ثلاثة أشهر، لكن ما لبِثت أن توقّفت لعدة أسباب منها: عدم انتقال بعض القضاة ورفض المحامين التوجه إلى سجن روميه بحجة أنهم يتعرضون للتفتيش".

وبالنسبة إلى تأمين الأدوية والطبابة للسُجناء أوضح الأب بعقليني، أننا "نحن كجمعيّات لدينا برامجَ ومشاريعَ، والجهات المانحة تفرضُ علينا ما يجب فعلُه. خلال الأزمة تلقّينا مساعدات عينية من الإيطاليين، من بينها غسالة كلفتها 8000 دولار وحنفيات، ومصابيح كهربائية وأدوات تعقيم وتنظيف، أما من الناحية الاستشفائية فليس لدينا الإمكانيات لأننا لا نتلقى مساعدات في هذا المجال، مع ذلك نُساعد السجينَ المريضَ قدر الإمكان بالتعاون مع الأهالي وإدارة السجن. نحن كجمعية مهمّتنا تأهيل السُجناء، مع ذلك نُوزّع مواد غذائيّة ومواد تعقيم وتنظيف لبعض عائلات نُزلاء سجن رومية، وللذين يتعالجون من الارتهان للمخدِّرات خارج السجن"، لافتًا في هذا السياق إلى أن الجِهات المانِحة ترفُض مُساعدة الدولة مباشرة ( مع ذلك قدمت بعض السفارات والهيئات الدولية مُساعدات عينية: محطة تكرير مياه ومولّدات كهربائية وغيرها )، وأن الإيطاليين قدموا إلى السجون منذ مدة أدوية بقيمة مئة ألف دولار".

واعتبر أن "الخطَر الذي يُحدق بالسُجون اليوم يكمن في تردّي الصحّة النفسية لدى السُجناء وما يرافقُها من كآبةٍ وإحباطٍ وأمراضٍ نفسيّةٍ... وتردّي الصحّة الجسديّة وما يرافقُها من أوبئة وانعدام النظافة العامة والنظافة الشخصيّة... وبالنسبة إلى الأمراض المستعصية من غسيل كلى وعمليات جراحية أشار إلى أن إدارة السِجن تتواصلُ مع المُستشفيات وتقتطعُ من موازنتها لمساعدة السُجناء المرضى في حين أن الحكومات المتعاقبة لم توفر المال المطلوب للسجون كافة ولم تُتابع الأوضاعَ داخل السجون كما يجِب، ولم يكُن لديها أيُّ تخطيطٍ فعلي لتحسينِها".

اما بالنسبة إلى الطعام، أسف الأب بعقليني إلى "افتقاره إلى أبسط مقوّمات الشهيّة وطريقة تقديم مُحترمة، فالطعامُ الذي يقدّم إلى السُجناء من مطبَخ السِجن يُطهى في أوانٍ ضخمة لألف أو ألفين سجين لذا من الطبيعي أن يفتقِد إلى الشهية".

وشدد على "أهمية تأهيل السُجناء تحضيرًا لإعادة إدماجهم في المجتمع"، كاشفًا عن أن "سُجناء كثرًا يتمنون البقاءَ في السِجن لأنهم يخشون أن تقفَ في وجههم الظروفُ عندما يخرجون إلى الحريّة، من عدم العثور على عمل، أو عدم استقبال الأهل لهم، أو مُلاحقة وصمة السِجن لهم، مؤكدًا أن "جمعيّة عدل ورحمة" تؤمّن التأهيل والمرافقة والمُتابعة النفسيّة لهم ليندمجوا في المُجتمع".

وأكد أن "حضورنا كجمعيات هو لتخفيف الظُلم والتوتّر والإحباط عند السُجناء. ورسالتُنا حمايتهم والمُحافظة عليهم ليس بتأمين الغِذاء فحسب بل تأمين الراحة والأمان والغذاء الروحي والأخلاقي، وتأهيلِهم على المبادئ والقيم وعلى تعلم مهارات توفر لهم حياةً كريمةً وكسبَ عيشِهم، من خلال دورات تدريبيّة لتعليمهم المهن. وقد وزّعت الجمعية منذ فترة شهادات على 80 سجينًا في سجن رومية تابعوا دورات على مدى ثلاثة أشهر في اختصاصات مهنيّة من بينها الكهرباء والكومبيوتر والمُحاسبة واللغات".