اشارت صحيفة "الاخبار" الى انه في الاسبوعين الاخيرين حجب السفير السعودي وليد البخاري دوريْ عرّابتي الاستحقاق الرئاسي السفيرتين الاميركية دوروثي شيا والفرنسية آن غريو. كما خبرت السفيرتان في الاشهر المنصرمة اذا تحرّكتا او احتجبتا، تكلمتا او صمتتا، كذلك اضحى البخاري أخيراً. اذا التزم الصمت نُظر بريبة الى سكوته وصار الى تأويله في هذا الاتجاه او ذاك. كذلك اذا حكى. الامر نفسه اذا استدعته حكومته او عاد الى البلاد. في الايام الفائتة صارت انتخابات الرئاسة تدور من حوله. مرة هو عقبة في طريق اجراء الاستحقاق، واخرى انه يستعجله. اذا استقبل احداً او أحجم عن لقاء احد آخر كثرت التكهنات من حول تصرّفه على انه موقف سياسي يوصف تارة ايجابياً وطوراً سلبياً. ورث البخاري من شيا وغريو دوريْهما من دون ان يُتوقع ان يرث احد آخر دوره. في نهاية المطاف يُعدّ السفير السعودي اليوم، منفرداً او يحظى بدعم الاميركيين، الصانع الفعلي لانتخاب الرئيس المقبل دونما ان يؤيد مرشحاً او يناوئ آخر. ربما احد ما أخبره يوماً بعض القصص الفضائحية لعبدالحليم خدام وغازي كنعان في لبنان، منها الترئيس.

واعتبرت الصحيفة ان مَن التقى البخاري في الايام الاخيرة، قبل اجتماعه الخميس برئيس تيار المردة سليمان فرنجية وبعده، استخلص المعطيات الآتية:

1 - استعجاله انتخاب الرئيس الجديد في اسرع وقت ممكن، والا فسيُسلط سيف العقوبات على رقاب المتسببين في استمرار تعطيل الانتخاب. دونما الافصاح عمّن سيلجأ الى العقوبات من البلدان، اكتفى بالقول انها دولية.

لن يكون صندوق النقد الدولي في منأى عن ممارسته هو الآخر ضغوطاً مماثلة. المضاف الى كلام البخاري معلومات وصلت الى المسؤولين اللبنانيين مفادها قرار الصندوق ان يكون المعبر الوحيد والالزامي لكل ما يمكن ان يدخل الى لبنان. المتوقع ايضاً ارتفاع نبرة الصندوق منذ مطلع الشهر المقبل على نحو غير مسبوق.

2 - على الافرقاء اللبنانيين احد خيارين: التوافق العام على مرشح واحد للرئاسة وهو افضل الخيارين لتفادي مزيد من الانقسام، او الذهاب الى مجلس النواب بمرشحيْن يتنافسان على أصوات النواب للفوز. عنى بذلك حضّه الكتل والاحزاب المسيحية على التقدم بمرشح يجبه فرنجية المستمر في ترشيحه وفي استمرار دعم الثنائي الشيعي له. ما قاله السفير ايضاً ان ليس للمملكة مشكلة مع الفائز أخيراً ما دام انتخب دستورياً وديموقراطياً. اياً يكن الرئيس المقبل لن يكون خصماً للمملكة او معادياً لها. ليس لديها اعداء في لبنان ولا خصوم حتى، وهي منفتحة على الافرقاء جميعاً.

هي اذاً اشارة ايجابية الى الموقف من فرنجية في حال اضحى رئيساً، متقدمة على ما كان قيل قبلاً ان المملكة وضعت فيتو على انتخابه وتمنع عبر النواب القربيبن منها التصويت له. بعد لقاء الرجلين الخميس وتأكيد السفير اكثر من مرة ان لا فيتو سعودياً على اي مرشح، تتضح اهمية موقفه الجديد وتدرّجه في اسبوع منذ زيارته بكركي في 3 ايار، من القول بأن لا فيتو على احد الى اظهار الاستعداد للتعاون مع الرئيس المنتخب اياً يكن.

3 - على اللبنانيين العودة بدورهم الى الحضن العربي من خلال اعادة بناء علاقتهم بالعالم العربي. أسهب في الكلام عن الايجابيات والمرحلة المقبلة بتناوله سبل تعاون لبنان مع جواره كالعراق وسوريا. اطرى الطائفة الشيعية، وتوقّع حصول لبنان على مساعدات بانجاز استحقاقه. على انه القى المسؤولية برمتها على اللبنانيين الواجب ان لا يتأخروا عن ذلك. أفصح كذلك عن جهد مضن يبذله لاستعجال اتمام الاستحقاق في غضون اسابيع. في ما استنتج من كلامه ان جلسة لانتخاب الرئيس قد تعقد في اسبوعين على الاكثر.

4 - تكرار كلامه على كل مَن يزورهم او يلتقي بهم الذهاب الى مجلس النواب وانتخاب الرئيس و«تفادي تعطيل نصاب الجلسة، فلينجح مَن ينجح والله يوفقه».

5 - حينما سئل هل يرى تحالف فرنجية مع حزب الله عقبة؟ اعطى الجواب نفسه ان "لا فيتو على احد"، قبل ان يضيف: "ليست لدينا مشكلة او عقدة علاقته بحزب الله. نحن نتحدث مع ايران والحوار معها ايجابي ومستمر".

ورأت الصحغة أن المعطيات هذه تتقاطع مع معلومات بدأت تتحدث بجدية، اكثر من اي وقت مضى، عن انتخاب وشيك لرئاسة الجمهورية. مفاد المعلومات هذه ان ضغوطاً دولية متشعّبة المصدر على الافرقاء المسيحيين للاتفاق على مرشح يذهبون به الى جلسة الانتخاب:

1 - النظر باهتمام الى اقتناع الكتل المسيحية المعارضة ترشيح فرنجية بضرورة التخلي عن انقساماتها، وارغام نفسها على خيارات تواجه به المرشح المرفوض لديها. ما لمسه المطلعون على المعلومات تلك تراجع التصلب المسيحي المناوئ لفرنجيه قليلاً الى الوراء. بعدما اجمعت الكتل المسيحية في الاشهر الاخيرة على تأكيد رفضها الذهاب الى جلسة مرشحها الوحيد رئيس تيار المردة، باتت الآن اقرب الى التفاوض على مرشح تواجه به فرنجية. دلّ التحوّل هذا على وطأة الضغوط المبذولة عليها أولاً.

2 - يتحدث بعض المعلومات عن تبادل التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية رفع الفيتوات بغية دفع الحوار الدائر بينهما الى مرشح مشترك مع الكتل المسيحية الاخرى الصغرى: تخلى التيار الوطني الحر عن الفيتو على قائد الجيش العماد جوزف عون، بينما تراجع حزب القوات اللبنانية عن الفيتو على الوزير السابق جهاد ازعور. حظوظ ازعور افضل من قائد الجيش نظراً الى حاجة ترشح الاخير الى تعديل مسبق للدستور غير متاح في الوقت الضيق المتبقي، ناهيك بتأكيد رئيس البرلمان نبيه برّي سلفاً ان لا عودة الى سابقة 2008 باخضاع انتخاب الرئيس الى المادة 74 من الدستور. فوق ذلك يهدد النواب التغييريون المعارضون انتخاب القائد بالطعن في دستورية انتخابه خارج قيود المادة 49.

3 - من الصعوبة بمكان توقّع الوصول الى جلسة انتخاب رئيس توافقي. يحتم ذلك اولاً انسحاب فرنجية، وهو ما يبدو متعذراً ومستحيلاً في آن عنده ولدى الثنائي الشيعي وقد أضحت حظوظه في الظاهر على الاقل افضل من ذي قبل بعد اجتماعه بالبخاري الخميس ورفع الفيتوات في كل اتجاه. تحوّل فرنجية الى ثابتة الاستحقاق التي تنتظر الثابتة المقابلة.

4 - تكاد تقتصر الاسماء المحتملة لاختيار احدها لمنازلة فرنجية على اربعة، الا ان الاقرب الى تبنيه هو ازعور بحيث يمسي منافس فرنجية على الدورة الثانية من الاقتراع للفوز بالاكثرية المطلقة (65 صوتاً على الاقل). من دون مرشح لمعارضي فرنجية تفضي الجلسة الى انتخابه اذا صح ان العقوبات الدولية في طريقها الى الداخل في ضوء المسعى الجاري حالياً.

وخلصت الصحيفة بأن غالب الظن ان كلفة التعطيل قد تكون باهظة في الجلسة الثانية عشرة.