لم تأت الانتخابات الرئاسية التركية بالنتائج المتوقعة من قبل كلا المرشحين البارزين: الرئيس الحالي رجب طيب اردوغان ومرشح المعارضة كمال كيليجدار أوغلو، اذ لم يصلا الى عتبة نسبة الـ50 في المئة من الاصوات لكل منهما، ما حتّم التوجه الى جولة ثانية من الانتخابات من المتوقع ان تجرى بعد اسبوعين. الرهانات كانت عالية من قبل كل من يدعم الرجلين، فالموالاة كانت شبه متأكدة من الفوز، فيما كانت المعارضة غارقة في حسابات الفوز وتحضر لمرحلة ما بعد اردوغان، وذلك بسبب القراءة المختلفة للمعطيات.

وتبيّن ان المواقف الغربية كان لها تأثير كبير على واقع الانتخابات، فروسيا وبعض الدول الاوروبية الصغيرة كانت تقف بوضوح الى جانب اردوغان،فيما الاميركيين يريدون التخلّص من حقبته بدليل ما قاله الرئيس الاميركي جو بايدن تعليقاً على ما جرى "ليفز من يفز هناك ما يكفي من المشاكل في المنطقة"، كما ان اللاعبين الاوروبيين الكبار سئموا من تحدّي الرئيس التركي لهم ووقوفه في وجههم عند كل تطور وتغيير مهم في المنطقة، والتهديد الدائم بفتح المجال امام النازحين السوريين للوصول الى اوروبا. اضافة الى ذلك، لم يستسغ الاوروبيون ولا الاميركيون التنسيق العالي بين اردوغان وروسيا، والذي كان له تأثير مهم على تغيّر الاوضاع في المنطقة، ناهيك عن التعاون القائم مع ايران في مواضيع عدة. كل هذه الامور تفاعلت لمنع اردوغان من الوصول الى نسبة الـ50في المئة التي يحتاجها للبقاء في منصبه، كما ان الرهان الغربي على معطيات داخلية اخرى لم يؤت ثماره ومن بينها على سبيل المثال: تداعيات الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، الازمة الاقتصادية، دور الاكراد، اقتراع المغتربين... كل هذه الامور لم تكن كافية لاعلان فوز المرشح اوغلو، فيما نجح المرشح القومي سنان أوغان من حصد نسبة تقارب الـ5 في المئة من الاصوات، ما يعني انه قد يكون بيضة القبّان المنتظرة لانّ هذه هي النسبة الكفيلة بتأمين فوز ايّ من المتنافسين الرئيسيين الاثنين: اردوغان واوغلو.

من هنا، سيكون امام مرشح المعارضة الفرصة لاحداث الخرق المنتظر، ولكن عليه ان يعرف تماماً كيفية استغلال الاحداث، فأيّ خطوة ناقصة ستكون بمثابة ضربة قاضية لاحلامه وطموحات الوصول الى الرئاسة. ولا يمكن التعويل على رفع نسبة التصويت لانها كانت قد بلغت نحو 88 في المئة، وهي من الاعلى في تاريخ مثل هذه الانتخابات، ومن مصلحة المعارضة العمل على الحفاظ على هذه النسبة وعدم السماح بأن تتراجع او تتدنى لانها ستحرمها من نسبة كبيرة سيستفيد منها اردوغان من دون شك. وبالتزامن مع هذه المهمة، على المعارضة، اذا ما ارادت الفوز، التوجه بقوة اكبر الى المغتربين الاتراك في دول العالم، ومعرفة كيفية استغلال نقمة شريحة كبيرة من المواطنين الاتراك المقيمين في تركيا بسبب الاعتقالات الكبيرة التي قام بها اردوغان بعد محاولة الانقلاب الفاشلة ضده في العام 2016 والتي بقيت مستمرة حتى اواخر العام الفائت، والوضع الاقتصادي المتردّي الذي جعل الكثيرين يرغبون في تغيير النهج الاقتصادي والمالي المتبع. وكان يجب على المعارضة الاستفادة من هذه النقمة كما فعلت في الانتخابات التشريعية عام 2019، حيث حققت فوزاً مدوياً وغير متوقع والزمت اردوغان وحزبه على مراجعة سياستهما وحساباتهما.

الرئيس التركي الحالي لن يقف مكتوف اليدين، وسيخوض هذه الحرب بشراسة لا مثيل لها لانها بالنسبة اليه مصير حياة، على الرغم من انّ الانباء عن تراجع وضعه الصحي تنتشر بكثرة، وظهر جزء منها خلال احدى المقابلات التلفزيونية عشية الانتخابات الرئاسية، ويسجّل له انه عرف كيفية مواجهة الصعوبات والتحديات التي برزت، وكان مصراً على اجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها على الرغم من النتائج الكارثية للزلزال، وقد اثبتت هذه الخطوة صحتها، لان حظوظ سقوطه كانت اكبر بكثير لو تأخر الاستحقاق الرئاسي.

على الرغم من كل ذلك، تبدو حظوظ اردوغان اكبر من منافسه ومن المرجح ان يبقى لولاية جديدة، انما لا يمكن نكران التأثير الكبير للمعارضة الذي بدأ يتجلى، اذ كان مجرد التفكير بانقسام الاتراك بنسبة متساوية حول تأييد اردوغان، مجرد حلم غير واقعي وها هو اليوم بات واقعاً ملموسا.