نقلت صحيفة "الأخبار" عن مصادر على صلة بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أن الأخير سيتصرف على أساس عدم الاعتراف بمذكرة القضاء الفرنسي بشأن ملاحقته، والتي "يتوقع عدم امتثال السلطات اللبنانية" لها. ورفض سلامة إجابة أحد من سائليه عن كيفية تعامله المهني، لناحية التنحي عن منصبه أو طلب إعفائه من مهامه.

وفي هذا السياق، أشارت الصحيفة إلى أنه سرت في بيروت أمس تحليلات كثيرة حول انعكاس صدور مذكرة التوقيف على مسار عمل مصرف لبنان، وجرى التداول بأخبار غير مؤكدة عن احتمال لجوء مصارف أوروبية بارزة إلى وقف التعامل مع أي مستند مالي أو نقدي يرد فيه اسم سلامة، وأن مصرفيين لبنانيين باشروا اتصالات مع نظراء لهم في أوروبا ومع وزارة الخزانة الأميركية، لمعرفة ما إذا كان القرار سيؤدي إلى وقف العمل مع مصارف المراسلة في الخارج. علماً أن الأعراف تقول إنه في حالة سلامة، وهو موظف يتولى "الخدمة العامة"، فإن المتوقع أنه سيكون منشغلاً بالدفاع عن نفسه، ولن يكون قادراً على القيام بمهامه، ما يجب أن يحث السلطات المعنية على مطالبته بالتنحي ونقل مسؤولياته إلى الشخص الذي يليه بحسب القوانين المرعية الإجراء. لكن ردود الفعل التي نُقلت عن الحاكم كانت حتى مساء أمس باردة إزاء خطوة من هذا النوع.

وكشفت الصحيفة، أنه بعد صدور مذكرة توقيف دولية بحقه في باريس أمس، تلقّى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة "صفعة أخرى في الملف المتعلق بالتحقيقات المفتوحة ضده وضد شقيقه رجا وآخرين، بعدما ردّت المحكمة الجزائية الفيدرالية السويسرية في مدينة بيلينزونا كل الطلبات التي قدّمها محامو الحاكم لفكّ التعاون القضائي بين سويسرا وكل من لبنان وألمانيا وفرنسا ولوكسمبورغ".

واوضحت أنه "لثلاثة أعوام، راهن سلامة على نجاحه في تعليق طلبات المساعدات القضائية بين سويسرا والدول الأوروبية ولبنان، مقدماً دفوعاً شكلية عدة، ومتذرعاً تارة بالحفاظ على القضاء السويسري، وتارة أخرى بأنه «مظلوم» يتم الاعتداء على حقوقه. إلا أن الأحكام الصادرة عن المحكمة السويسرية في 6 نيسان 2023 (حصلت الأخبار على نسخة منها) أسقطت كل حججه وأحلامه لسبب رئيسي، وهو أن «الإثبات على الجرائم واضح وكبير بحيث لا يحتمل الشكّ"، لافتة إلى أن تنفيذ طلبات المساعدة المتبادلة بين هذه الدول «ضرورة»، في إطار التحقيق في جرائم متنوعة، تبدأ بغسل الأموال واختلاس الأموال العامة ولا تنتهي بالتزوير والإثراء غير المشروع والتهرّب الضريبي. وفرضت المحكمة على المستأنف، أي سلامة، تعويضاً يتراوح بين أربعة آلاف فرنك سويسري و5 آلاف على كل من طلبات الاستئناف الأربعة لتغطية التكاليف، ومنحته مهلة محددة لتقديم استئناف جديد. علماً أن السؤال بات يدور حول مدى قانونية هذا الاستئناف بعد صدور مذكرة توقيف دولية بحقه، واتهام القاضية الفرنسية أود بوروزي له بجرائم تبييض أموال وتزوير واختلاس وإثراء غير مشروع، إذ من المرجح ألا تُقبل أي دفوع شكلية يقدّمها وكلاؤه بعد الآن".

لبنان لن يسلّم سلامة للقضاء الفرنسي..

إلى ذلك، نقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن مصدر قضائي أن "لبنان لن يسلم سلامة للقضاء الفرنسي" مضيفاً أنَّ لبنان "لم يُبَلَّغ رسمياً بالمذكرة".

بيد أنَّ مصادرَ معنية بالملف في باريس عبّرت عن أسفها لطريقة تعاون القضاء اللبناني في هذه القضية، وهي ترى أنَّ "عذر عدم تبيلغ سلامة استدعاءه للمثول أمام قاضية التحقيق في باريس لا يستقيم، ويشكل نوعاً من التذاكي؛ السخيف، إذ كيف يمكن أن يصدق أحد أن الأمن اللبناني عجز عن تبليغ سلامة، وكيف اكتفى بمحاولة تبليغه في مبنى مصرف لبنان فقط، ولم يحاول ذلك في منزله مثلا". وتضيف هذه المصادر أن "العملية مكشوفة لأن الصحافة اللبنانية أوردت تدارس الفريق القانوني لسلامة لهذه الحجة، حتى لا يستجيب لاستدعاء القاضية الفرنسية".

معادلة اللقاء الخماسي.. اسم قائد الجيش لا يزال حاضرًا!

وفي سياق آخر، لفتت صحيفة "الأخبار" بالشأن الرئاسي، إلى أنه "لا يزال اسم قائد الجيش العماد جوزف عون ضمن معادلة اللقاء الخماسي. لم يخرج مرة من لائحة المرشحين الأوفر حظاً، ولو أن المشهد اللبناني الداخلي يكاد يرسو على مرشح للمعارضة مقابل مرشح للموالاة".

ويقول مطّلعون على محادثات مستمرة منذ أسابيع بين أعضاء اللقاء الخماسي، إن الأنظار يجب أن تتجه الى ما تقوم به قطر، وليس إلى حركة السفير السعودي في بيروت، كمؤشر على اتجاهات اللقاء. فمنذ اللحظة الأولى، كانت الدوحة تتصرف على أنها أقرب الى نظرة واشنطن - وإلى حد كبير السعودية كقرار رسمي - وما تريده في لبنان والمنطقة. وهي، في حركتها الدبلوماسية التي بدأت وستتكرر في بيروت أو في الاتصالات الخارجية، لا تزال تتصرف بوحي أن هناك خطاً بيانياً لحركة اللقاء لم يتم اختراقه بعد.

وبحسب المعطيات التي نقلتها الصحيفة، فإن باريس التي دخلت على خط الرئاسيات وهي تعلم جيداً موقف الدول الأربع، باتت أقرب الى التعامل مع مبادرتها على أنها لم تعد قابلة للحياة، وإن لم تعلن فشلها، وأن هناك تدرجاً للمرحلة المقبلة يفترض التعامل معه بروية. كما أن إدارتها المستجدة للملف الرئاسي بعد ارتفاع الانتقادات اللبنانية، يدفعها أكثر إلى التعامل مع شركائها على الخطوط العريضة للمستقبل. وبحسب المعطيات، فإن الدول الخمس لا تزال تبحث عن مواصفات التسوية الشاملة رئيساً وحكومة ووزراء. وهي، في إطار بحثها عن ضرورة خروج لبنان من الدائرة المقفلة لمرشحين، رئاسياً وحكومياً ووزارياً، كانوا جزءاً ممّن أسهموا في إيصال الوضع إلى ما هو عليه، تفتش عن الصيغة الأفضل لهذه التسوية الشاملة. لكنها تصطدم بما اصطدمت به القوى المستقلة في لبنان، وهي نتائج الانتخابات النيابية التي أعادت تعويم الطبقة السياسية نفسها التي يفترض أن اللبنانيين تظاهروا ضدها في 17 تشرين، ما يعني تضييق مساحة الخيارات التي كان يفترض أن تساهم في تقديم تسوية جديدة مغايرة للنمط السائد. وهذا الأمر يشكل مدعاة نقاش موسّع حول إمكانات التوصل الى صيغة تخرج من نطاق المتوقع من الذين سيتسلّمون الحكم في المرحلة المقبلة.

فالمعطيات تحتّم القول، إن لا قبول من الثنائي بقائد الجيش في الوقت الراهن، مهما كانت ضغوط اللقاء الخماسي، وحتى لو أعلنت باريس صراحة تخلّيها عن مبادرتها الرئاسية، لأن ذلك لا يؤتي ثمنه الحقيقي، ولن يتمكن الثنائي من تحقيق مكسب منه. أما التخلي عن فرنجية مقابل تخلّي المعارضة عن مرشحها، بتعذّر حصول كليهما على 65 صوتاً، فسيعني أن المقايضة ستكون وفق أثمان تدفع داخلياً وخارجياً. وهذا كله ليس مرهوناً بوقت قريب.