مع اقتراب موعد "عيد المقاومة والتحرير"، نظم "حزب الله" مناورة عسكرية في أحد معسكراته في جنوب لبنان، حرص على التأكيد في أكثر من مناسبة أنّها رمزية، لكنّها في المقابل لم تخلُ من مجموعة من الدلالات اللافتة، لا سيما أنها كانت هجوميّة في غالبيّة تفاصيلها.

في الشكل، من الضروري التوقف عند الرسالة التي أرادها الحزب من تنظيم هذه المناورة، بحضور العديد من وسائل الاعلام المحلّية والعربيّة والدوليّة، في ظّل التطورات التي تشهدها المنطقة، رغم أنه يدرك أنها ستثير حولها الكثير من علامات الإستفهام على مستوى المحلّي، في حين هو أكّد أنّ الرسالة إلى اللبنانيين تقتصر على الدعوة إلى الاستفادة من قوة الحزب، مشيراً إلى أنها لا ينبغي أن تثير القلق إلا في صفوف الأعداء، بينما هو لا يرى أن في الداخل هناك أعداء.

في المضمون، كان من المؤكد أنّ الحزب لن يكون في وارد الكشف عمّا لديه من أسلحة نوعيّة، في مناورة يحضرها هذا الكمّ من وسائل الإعلام، بالرغم من الكثير من الشائعات التي تناولتها في الأيّام الماضية، الأمر الذي أكّد عليه رئيس المجلس التنفيذي في الحزب السيد هاشم صفي الدين، في كلمته، حيث أشار إلى أن لا ضرورة لكشف ما لديه من صواريخ دقيقة، مؤكّداً أن "العدو سيرى فعلها اذا فكر في ارتكاب حماقة تتجاوز قواعد اللعبة".

على هذا الصعيد، يمكن الحديث عن 3 مؤشرات لافتة ينبغي التوقف عندها، الأول تمثل في محاكاة سيناريو اقتحام مستوطنة إسرائيليّة، وهو ما كان الحزب يهدّد به في السنوات الماضية، ما يعني أنّه على المستوى العملي انتقل من التركيز على الخطط الدفاعيّة، التي هي أساس العمل المقاوم، إلى العمل على الخطط الهجوميّة، أما الثاني فهو اقتحام عناصر من الحزب جدار اصطناعي، يحاكي ذلك الذي يقيمه الجانب الإسرائيلي على الحدود، في إشارة إلى أنّ أيّ معركة مقبلة لن يقتصر مسرحها على الأراضي اللبنانية، بينما الثالث كان الكشف عن جزء مما لديه على مستوى المسيّرات المسلّحة، حيث استخدمت إحداها في عملية اقتحام المستعمرة، بعد أن بات هذا النوع من الأسلحة يكتسب أهمية بالغة في المعارك العسكرية.

وكانت المناورة قد تضمنت، بشكل أساسي، عرضاً لعملية هجوميّة على موقع عسكري، كما شهدت استعراضاً للمهارات القتاليّة الفرديّة، بالإضافة إلى محاكاة لعمليات أسر آلية عسكرية وجنود، استخدمت فيها الذخيرة الحيّة، وأيضاً محاكاة اقتحام مستعمرة وحاجز وتفجير جدار، يدخل بعده عناصر الحزب إلى الجانب الآخر من الحدود.

من حيث المبدأ، هذه المناورة لن تمر مرور الكرام، سواء كان ذلك في الداخل الإسرائيلي أو في الداخل اللبناني، فعلى المستوى الأول لم يتأخر الجيش الإسرائيلي في التعليق عليها، معتبراً أنها تتحدى في المقام الأول الحكومة والدولة اللبنانيتين والتزاماتهما، لكن الأهم هو كيف سيقرأ هذا الجيش، بعيداً عن الإعلام، الرسائل التي تضمنتها في المرحلة المقبلة، أما على المستوى الثاني فبادرت العديد من الجهات السياسية إلى انتقاد هذه الخطوة، من منطلق الإنقسام السياسي القائم في البلاد، الأمر الذي من المفترض أن يكون في حسابات قيادة الحزب مسبقاً.

في المحصّلة، على الرغم من تشديد "حزب الله" على أنّ هذه المناورة رمزيّة بالدرجة الأولى، إلا أنّ هذا لا يلغي أنّها جاءت بقرار واضح من قيادته، يهدف إلى إرسال مجموعة من الرسائل إلى من يعنيهم الأمر في هذا التوقيت بالذات.