نسمع كل يوم ان لبنان مريض وفي غرفة العناية الفائقة، وانه سيصل الى القعر والى الجحيم، وان النهاية باتت قريبة، ونسمع في المقابل، ان فرنسا او الولايات المتحدة او السعودية او ايران او غيرها من الدول هي خشبة الخلاص، وان اسماء لبنانية مرشحة لمناصب رئاسية وحكومية ونيابية هي ستشكل طوق النجاة لهذا البد من الغرق، ولكن... هذا الكلام ليس صحيحاً، فقد جرب اللبنانيون بالفعل الدول وراهنوا على هذا وذاك من الشخصيات، وتبيّن ان كل النتيجة كانت واحدة: خيبة امل وفشل والمزيد من الانحدار.
هل نفقد الامل ونصل الى اليأس؟ أليس هناك من احد بالفعل قادر على تخليص لبنان؟ بلى، ولكن خلاص لبنان منوط باللبنانيين وبمدى ايمانهم بالله وتقربهم منه. قد يجد البعض في هذا الكلام مجرد ترداد لعبارات، او قد يستخف بالقول ان الله بعيد ولا يهتم بنا، ولكن هذا البعض نفسه يدرك تماماً ان الحقيقة مغايرة، فعند كل ضيق او مشكلة او افق مسدود نلتجئ الى الله، لماذا؟ لانه ببساطة الملاذ الاخير الذي نتّجه اليه بعد ان نكون قد استنفذنا كل خياراتنا، وهو لا يمانع بذلك شرط ان نكون راغبين بالفعل وليس بالقول فقط، ان نعود اليه ونعمل بوصيته الوحيدة: المحبة.
حين ضرب الزلزال تركيا وسوريا في شباط الفائت وادّى الى مأساة حقيقية، ووصلت الارتدادات الى لبنان، زادت نسبة المصلّين، وقبلها حين فتك فيروس كورونا بالعالم، انهالت التضرعات الى الله ليخصلنا.
ّهذان المثلان لا يحصران علاقتنا بالله وبقديسيه، ولكنهما كانا الاقرب تاريخياً ولم يمض عليهما وقت طويل اي بمعنى آخر لم يتسن للذاكرة ان تضعهما في خزانة النسيان، وهما يشكلان دليلاً واضحاً ان الانسان يلجأ الى ربّه عندما تسدّ امامه كل الطرق، فلماذا لا يعود اللبنانيون الى ربّهم ويسألونه ان يخلّص بلدهم؟ ما الذي ينتظرونه بعد كي يتأكدوا من ان طريق الخلاص الوحيد والحقيقي والدائم يمرّ عبر المحبة؟ ماذا يستفيد الانسان اذا خسر خصمه (في الدين والسياسة والطبقة الاجتماعية...) وفقد نفسه؟ ما هو الاصعب: ان نحب بعضنا بعضاً كما احبنا المسيح، ام ان نحقد على بعض ونحاول تدمير انفسنا بعمل يديننا؟ لطالما فرضنا -نفرض- شروطاً على الله كي نعود اليه، وكأنه هو الذي يحتاجنا لنخلّصه وليس العكس، ونرغب في ان يظهر لكل واحد منا بمفرده والا لن نصدقه، فيما مثل لعازر والغني واضح، لانه اتى المسيح بنفسه ولم يكفنا الامر، وينعم لبنان بقديسين يجترحون العجائب باسم الله ولم تضطرم قلوبنا بالمحبة، فما الذي نريده بعد؟.
طريق الخلاص للبنان بسيط، وهو ان يعيش اللبنانيون المحبة، وليس المطلوب التخلي عن حياتنا اليومية، بل ان نعطي "ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، والاهم ان نعيش المحبة في كل اعمالنا، والا نستمع الى اصوات الشر اللاهب التي تدعونا الى اذية اخوتنا واستغلالهم، لان الشر حلقة مفرغة سرعان ما نجد ان الدور قد وصل الينا فيها، ولا يمكن لاحد ان ينجو من هذه الحلقة، فدوره سيأتي ان لم يكن اليوم فغداً او بعده.
انها معادلة الهية-انسانية تم الحديث عنها منذ ما قبل المسيح، وخلال تجسده، وبعد قيامه من الموت، غير ان الانسان يستمر في ابتداع الاساليب التي تقيّده وتكبّله بسلاسل العبودية والموت (موت الجسد وموت الروح)، فهل من يسمع؟!.