أغضب التلويح بالعقوبات الأميركية رئيس مجلس النواب نبيه بري، بل لعلّه "استفزّه" في مكان ما، لأنّه اعتبر أنّ هناك من يحاول "الضغط" عليه، مرّة أخرى من خلال "الاستقواء" بالخارج، ولو أنّه في قرارة نفسه يستبعد "ترجمة" الوعيد على أرض الواقع، لإدراك الجميع أنّ من شأنه "تعقيد" المشهد السياسي أكثر، وإبعاد أيّ فرصة للتفاهم بين اللبنانيين، بما يتيح فعليًا انتخاب الرئيس، بعيدًا عن منطق "التحدي" الذي لن يؤدي برأيه إلى أيّ مكان.

لكنّ بري "استجاب" للتسريبات الإعلامية حول العقوبات، وإن وضعها كثيرون في خانة "هزّ العصا" لا أكثر ولا أقلّ، فأصدر بيانًا مقتضبًا نفى فيه أن تكون أبواب البرلمان "موصدة" أمام النواب لانتخاب رئيس، مكرّرًا "تعهّده" بالدعوة إلى جلسة فور توافر "مرشحَين جدّيَين"، قبل أن يوضح موقفه في مقابلات صحافية، شدّد فيها على أنّه لا يخالف الدستور، وأنّ ما يفعله يأتي من باب حرصه على المجلس، تفاديًا لتكرار "مهزلة" جلسات "رفع العتب".

لموقف بري معارضوه، الذين يعتبرون أنّ رئيس المجلس لا يمتلك "ترف" الدعوة من عدمها، وفقًا لرأيه الشخصي بالمرشحين، ولا سيما أنّ الدستور لا يتحدّث أصلاً عن ترشيحات، ويذهبون إلى حدّ اتهامه بربط دعوته البرلمان إلى "توفير" الأصوات اللازمة لمرشحه، رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، ولا سيما بعدما أصبح في مواجهة مرشح آخر، قد يكون قادرًا على "التفوق" عليه في نسبة الأصوات، في "سيناريو" لا يرغب به لا بري ولا فرنجية.

وبعدما أضحى هذا المرشح، وهو الوزير السابق جهاد أزعور، أمرًا واقعًا بعدما "تقاطعت" عليه قوى المعارضة مع "التيار الوطني الحر"، ولو رفض بري ومعه "حزب الله" اعتباره "مرشحًا جديًا"، مفضّلين تصنيفه "مرشح مناورة"، يصبح السؤال ملحًّا، هل يدعو بري إلى جلسة لانتخاب الرئيس في أقرب وقت ممكن كما وعد؟ بيد أنّ السؤال الأكثر مشروعية وإلحاحًا يبقى، ماذا لو عقدت الجلسة هذا الأسبوع فعلاً؟ أيّ نتيجة يمكن أن تفرزها، إن وُجِدت؟!.

يرفض المؤيدون لرئيس مجلس النواب الاتهامات التي وُجّهت إلى الرجل في الآونة الأخيرة، حول إقفال أبواب مجلس النواب، ريثما "يفرض" انتخاب مرشحه رئيسًا للجمهورية، وتحوّله بالتالي إلى "طرف" في معادلة "غير متوازنة"، علمًا أنّ مطلقي هذا الكلام كانوا أول "المتحفّظين" على الشكل الذي أخذته جلسات البرلمان الانتخابية الأسبوعية غير المجدية، بل أول الملوّحين بـ"المقاطعة" إذا ما استمرّت على المنحى نفسه.

يدافع مؤيدو بري عن وجهة نظر، بالقول إنّ ما أراده رئيس المجلس هو عدم فتح مجلس النواب إلا لجلسات مثمرة ومفيدة، بعيدًا عن الاستعراضات المملّة التي حفلت بها الجلسات السابقة، التي وصل فيها الأمر ببعض النواب إلى وضع شعارات بدل الأسماء، وفي بعض الأحيان إلى وضع أسماء لا تليق بمستوى الاستحقاق، في محاولة منهم لـ"الاستظراف"، الأمر الذي أضرّ بهم، وشوّه سمعة مجلس النواب بشكل عام.

يقول هؤلاء إن توقف بري عن الدعوة إلى جلسات "منتظمة" كما فعل منذ ما قبل انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، جاء من باب حرصه على المجلس، وليس أيّ شيء آخر، خصوصًا أنّ هذه الجلسات مع ما يعقبها من "إخفاق" كانت تعطي انطباعًا سلبيًا للرأي العام عن برلمان "عاجز"، علمًا أنّ "تجميده" الدعوات لم يحصل إلا بعدما "تقاطعت" الكثير من الأطراف على التلويح بالتوقف عن حضور الجلسات أصلاً.

يشدّد هؤلاء على أنّ موقف بري لا يرتبط من قريب أو من بعيد بوضعيّة مرشحه، علمًا أنّه كرّر في أكثر من مناسبة أنّه لن يتردد في دعوة المجلس إلى الانعقاد "فور" توافر الظروف الكفيلة بإنجاح الجلسة، مشترطًا لذلك تفاهمًا وطنيًا شاملاً يجعل الانتخاب أمرًا ميسّرًا، أو وجود مرشحَين "جدّيَين" بالحدّ الأدنى، بما يسمح بحصول منافسة متكافئة وحقيقية، تسفر عن انتخاب رئيس بضربة "الديمقراطية" القاضية.

لكنّ خصوم بري لا يبدون مقتنعين بوجهة النظر هذه، بدليل أنّ بري لم يُبدِ استعداده لدعوة المجلس إلى الانعقاد رغم أنّ المرشح الآخر بات موجودًا، وأنّ التقديرات ترجّح أنه متقدّم على مرشح بري نفسه، بيد أنّ رئيس المجلس والفريق المحسوب عليه لا يريدان أن "يعترفا" بوجوده، فيصنّفانه تارة مرشح "تحدّ"، وطورًا آخر مرشح "مناورة"، علمًا أنّ هذه المواصفات تنطبق على فرنجية نفسه، برأي المعارضين.

يخلص هؤلاء إلى أنّ بري وفريقه لا يريدان أن يتجرّع فرنجية "كأس" جلسة يخرج بنتيجتها خاسرًا أمام خصم لا يعتبره جدّيًا، ولو "ضمن" سلفًا أنّ طريق الأخير نحو بعبدا "غير سالكة"، بل إنّ ما يخشاه هؤلاء أن يكون الهدف من هذه الجلسة هو "إحراج فرنجية لإخراجه"، علمًا أنّ مؤيدي فرنجية مقتنعون بأنّ التقاطع "المريب" الذي حصل بين المعارضة و"التيار" لم يكن على ترشيح أزعور، بل على "إسقاط فرنجية"، وهنا بيت القصيد.

يفتح ذلك الباب أمام السؤال الأكبر: ماذا لو عقدت جلسة انتخاب الرئيس هذا الأسبوع؟ ما هي السيناريوهات المحتملة؟ وهل يمكن أن تقود لانتخاب رئيس؟.

الثابت أنّ الإجابة على السؤال الأخير هي بالنفي، إذ إنّ أيّ مواجهة انتخابية بين فرنجية وأزعور، في ظلّ الظروف الحالية، لن تفضي إلى مكان، فرئيس تيار "المردة" لا يزال بعيدًا وفق التقديرات عن معدل الـ65 صوتًا، وكذلك أزعور، رغم بعض البوانتاجات التي "بالغت" في تقديراتها، حتى منحته 68 صوتًا، سيكون من الصعب أن يصل إليها، ولا سيما أنّ بعض من صُنّفوا ضمن "معسكر أزعور" لم يحسموا وجهتهم، وبينهم "اللقاء الديمقراطي" وتكتل "الاعتدال".

وحتى في حال كان أزعور قادرًا على تحقيق هذا الرقم، وهو ما يستبعده الرافضون لترشيحه، فإنّه لن يصبح رئيسًا، لأنّه يحتاج إلى حضور 86 نائبًا، الأمر الذي سيكون متعذّرًا، باعتبار أنّ المؤيدين لفرنجية لن يتردّدوا في مغادرة القاعة بمجرد انتهاء الدورة الأولى، تمامًا كما فعلوا في الجلسات السابقة، حين كان مرشح المعارضة ميشال معوض أصلاً أبعد ما يكون عن معدل الـ65 صوتًا، في "سيناريو" يجزم العارفون أنه سيتكرر إذا ما عقدت جلسة الانتخاب.

بالنتيجة، لن تفرز أيّ جلسة انتخاب أيّ رئيس في المدى المنظور، ففرنجية وأزعور لا يملكان عدد الأصوات الكافي، حتى إنّ "تطيير النصاب" لن يكون مناسبة للسجال، بعدما أصبح "مادة ابتزاز" من الفريقين جعلته "بدعة مشرّعة"، إن جاز التعبير، ليبقى الثابت واحدًا. المطلوب من الفريقين النزول من الشجرة، وفتح باب الحوار من دون أحكام متطرفة مسبقة، من أجل التفاهم على "تسوية" تعني جميع اللبنانيين، أكثر بكثير من اسم الرئيس العتيد!.