تصدر خبر تعيين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، وزير الخارجية الفرنسية السابق ايف لودريان، موفدا خاصا الى لبنان على وجه السرعة، في مهمة لتسهيل حل توافقي بين جميع الاطراف، لاخراج لبنان من الازمة الخطيرة التي يتخبط فيها، ما عداه على الساحة الداخلية، بما يرمز اليه في هذا الوقت بالذات، وقبل موعد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في الرابع عشر من الشهر الجاري، وما تحمله من مؤشرات وتأثير في مجرى عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ولاحظت مصادر سياسية عبر "اللواء" ان اقدام ماكرون على هذه الخطوة في هذا الظرف بالذات، يحمل مؤشرات ثلاثة مهمة، أولها استمرار الاهتمام الفرنسي بالمساعدة في حل الأزمة المتفاقمة في لبنان، بالرغم من التعثر بالجهود والمساعي الفرنسية التي بذلت بهذا الخصوص حتى اليوم، وثانيا اعلان فشل المبادرة الفرنسية التي تم التسويق لها خلال الاشهر الماضية، والتي ارتكزت على تبني ترشيح رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية للرئاسة، من خلال الاشارة بوضوح الى ان مهمة وزير الخارجية الفرنسية السعي إلى حل توافقي بين جميع الاطراف السياسيين، وثالثا اقصاء جميع أعضاء فريق الازمة الرئاسية الفرنسية الت كلفت بوضع وتسويق المبادرة الفرنسية وفي مقدمتهم رينيه ايميه ايمانويل بون، لعدم نجاحهم بالمهام الموكلة اليهم.
تغير في السياسة الفرنسية
وفي السياق، اشارت صحيفة "الاخبار" الى ان الخطوة التي لم يكن أحد في لبنان على اطّلاع مسبق عليها، أُعطيت أبعاداً كثيرة. وفيما قلّل البعض من أهميتها باعتبار أن الموفد الجديد سيقوم بالمهام التي كان يقوم بها الوزير السابق بيار دوكان، إلا أن البيان الرئاسي أضفى على المهمة بعداً سياسياً واضحاً، ما فتح باب التحليلات، ووجد الفريق المعارض لترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية فيها "تعبيراً عن تغيير جوهري في السياسة الفرنسية تجاه الملف الرئاسي".
واعتبر مرجع بارز في هذا الفريق أن الخطوة، "تعكس استجابة الرئيس الفرنسي للمطالب الملحّة من جانب الفاتيكان والبطريرك الماروني بشارة الراعي وقوى لبنانية عدة، بتعديل وضعية الفريق الفرنسي المكلّف ملف الرئاسة في لبنان". ورأى أن القرار "يعني عملياً إنهاء خدمات المستشار الرئاسي باتريك دوريل الذي يُعتبر عرّاب تسوية فرنجية رئيساً للجمهورية مقابل تعيين نواف سلام رئيساً للحكومة".
وأشار إلى أن الخطوة الفرنسية تعني أنه سيكون لدى باريس "تصور جديد للحوار مع القوى اللبنانية، وسيسقط عنوان المهمة السابقة التي كانت تركّز على إقناع الجميع بالسير في التسوية"، ليخلص إلى أن القرار "خلط الأوراق من جديد، وربما يفتح الباب أمام جولة جديدة من الحوار مع القوى اللبنانية لمنع الذهاب إلى صدام كبير".
ولودريان دبلوماسي عريق سبق أن تولى وزارة للدفاع في عهد الرئيس فرنسوا هولاند، وتربطه علاقة قوية مع دول الخليج، ولا سيما السعودية، وكان له دور بارز في توقيع عقود تسلّح مع هذه الدول بعد عام 2011. وقد يكون اختياره للمهمة نابعاً من نية باريس استثمار علاقته مع السعودية لتسويق مبادرتها بشأن الملف اللبناني من جديد، ومحاولة إقناع الرياض بأن تبدي مرونة أكبر.
الموقف الفرنسي قد يعزّز خيار الورقة البيضاء لدى كتلة جنبلاط
وذكرت "الاخبار" بانه "يبدو أن الأسبوع الفاصل عن جلسة 14 الجاري سيشهد تصعيداً كبيراً واستنفاراً سياسياً لدى طرفَي الصراع، خصوصاً أن الكتلة الرمادية التي يُعوّل عليها لحسم الدفة بدأ جزء منها يكشف عن مواقفه".
وعلمت "الأخبار" أن "رئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط يفترض أن يعود إلى بيروت خلال ساعات. وفيما أشاعت أوساطه بأن كتلته النيابية تميل للتصويت لمصلحة أزعور، نقل عن قيادي مقرّب منه أن خيار الورقة البيضاء لا يزال قائماً، وأن هذا التوجّه قد يعزّزه القرار الفرنسي".
وكان أعضاء في كتلة جنبلاط تحدّثوا عن إشارات سعودية شجّعتهم على دعم أزعور، منها لقاء أحد نواب التكتل السفير السعودي في بيروت وليد البخاري وسماعه منه أن أزعور "خيار جيد"، ما فُسِّر بأنه دعم للأخير.
تشاؤم
الى ذلك، قالت مصادر مواكبة لهذا الحوار لـ«الجمهورية»: إنّ احتمال أن يتحقّق أي خَرق من أي حوار يجري في هذه الاجواء ضعيف جداً، خصوصاً انّ أوراق كل الاطراف باتت مكشوفة، وإمكان التقريب بينها بات مستحيلاً، ذلك انّ مواقف التقاطعات واضحة في دعمها لأزعور، وكذلك موقف ثنائي "أمل" و"حزب الله" المُتمَسّك بدعم فرنجية، وهو ما أبلَغه السيّد نصرالله لموفد البطريرك المطران بولس عبد الساتر، وما يؤكّد عليه الرئيس بري أيضاً وبصورة متكررة وحاسمة. مع تشديدهما على رفض المقولة التي يَتذرّع بها الذين تقاطَعوا على ترشيح أزعور بأنّ المسلمين هم من يختارون رئيس الجمهورية المسيحي ويفرضونه.
لماذا توقفت الحراكات؟
وسط هذه الأجواء، تُثار في الاوساط السياسية تساؤلات حول سر انكفاء حركة الجهود الخارجية، وتَرك الساحة لهذا الاشتباك الدائر. وفيما أكّد مرجع سياسي مسؤول لـ"الجمهورية" انه "لا توجد حتى الآن أي مُعطيات عن حراكات وشيكة لا من قبل الاصدقاء ولا من قبل الأشقّاء، علماً انّ الحراكات التي سبقَ وجَرت في الفترة الاخيرة، حملت معها بَشائر بانفراجٍ رئاسي وشيك، وهذا ما سمعناه بشكل واضح. لكنّ هذه الحراكات، التي تم الاتفاق على ان تُستكمَل بشكل مفصّل لحسم خريطة طريق الانفراج، توقفت بشكل مفاجىء. وبالتالي، ما سمعناه من إيجابيات ووعود يبدو انه تبخّر ولم يعد له وجود، وعُدنا الى المربّع الاول المحكوم بتوتر سياسي ورئاسي، ووسط هذا الجو يستحيل انتخاب رئيس".
ورداً على سؤال عن سبب هذا التوقف، وهل ثمّة عامل خارجي فرضَ ذلك؟ قال المرجع: "لم نتبلّغ شيئاً في هذا الاطار، ولكن هناك من يقول ان الاميركيين دخلوا من جديد الى قلب الحدث الرئاسي. وان هناك محاولات لتَزكية خيار رئاسي ثالث، وانا شخصياً لا أملك اي معطيات دقيقة حول ما يُقال، ولذلك أستطيع أن أؤكده أو أنفيه".