أشار السيد جعفر فضل الله في خطبة الجمعة، الى "ذكرى الاجتياح الإسرائيلي للبنان في حزيران 1982، والذي تم إسقاط كل مفاعيله بإنجاز التحرير عام 2000، وتثبيت قوة الردع اللبنانية عام 2006، من دون أن تتكلل هذه الإنجازات ببناء الدولة على قواعد المصلحة الوطنية والقانون والعدالة، وذلك بفعل سياسات تعاطت مع الدولة بذهنية الميليشيا أو كموقع للغنائم والمحاصصة ورهن مقدراتها للمؤسسات الدولية الكبرى بفعل سياسات الاستدانة على حساب الاهتمام ببناء اقتصاد إنتاجي يفرضه انهيار الدور الاقتصادي السابق للبنان بفعل مستجدات إقليمية ودولية".

ورأى أن "لبنان أمام أخطار مصيرية تهدد وجوده، أبرزها الخطر الصهيوني المتواصل على لبنان بكل مكوناته، والذي ينتظر تنفيذ قرار الحرب الذي اتخذه منذ سنوات لضرب القدرة الدفاعية والردعية لهذا البلد عندما يشعر بإمكانية تحقيق نصر واضح يأمل من خلاله أن يعيد لبنان إلى دائرة الهيمنة الصهيونية، ما يضع جميع اللبنانيين أمام مسؤولية حفظ هذه القدرة وحمايتها وإبعادها عن كل الصراعات والحساسيات الفئوية والطائفية".

واعتبر ان " لا أحد يظن في هذا البلد إن إضعاف قدرته الردعية سوف يكون لحساب أي مكون طائفي أو سياسي، إنما هو لحساب الكيان الصهيوني الذي لا يعمل لمصلحة أحد، والتجربة اللبنانية مع الاحتلال شاهدة على هذه الحقيقة، وبالتالي ليس هناك من مصلحة وطنية باتخاذ سياسات تضعف هذه القدرة، ونأمل من جميع القوى السياسية أن تأخذ هذا الواقع في الاعتبار سواء في عملية بناء الدولة أو عند إنجاز الاستحقاقات الدستورية".

ولفت إلى أن "مصلحة البلد تقتضي اعتماد الحوار ثم الحوار للوصول إلى توافق وطني عام حول القضايا الأساسية في هذا البلد، والكف عن الرهان على إمكانية أن يحقق فريق الغلبة على فريق، فأي تفكير في هذا الاتجاه الذي قد يسلكه البعض بناء على وعود بدعم دولي أو إقليمي يغير المعادلة الداخلية هو تفكير مدمر لن يحصد البلد منه سوى استفحال أزماته وتهديد مصيره".

وأوضح أنه "لا يجوز أبداً اعتماد السياسات الكيدية والحسابات الفئوية والأحقاد الطائفية في مقاربة القضايا المصيرية في البلد، فمثل هذه القضايا تحتاج من القوى السياسية التسلح بعقل بارد وتحمل المسؤولية الوطنية التي تتطلب عدم الانسياق إلى المطامع الذاتية والشهوات السلطوية بل للانصياع إلى حاجة إنسان هذا البلد للاستقرار النفسي والسلم الاجتماعي والذي بات يتفاقم في سلبياته إلى انهيار شامل وعميق لن يُحفظ فيه أي موقع أو منصب سياسي ولا إنسان أو شعب يحكمونه".

وأكد أن "تعطيل التوافق الداخلي يعني إبقاء لبنان ساحة لتصفية حسابات داخلية وموقعاً لتلقي إملاءات خارجية لم تشكل يوماً عاملا من عوامل الإنقاذ بل عامل تعميق للأزمة، فالخارج ولا سيما القوى الدولية المؤثرة لا تنظر إلى لبنان إلا بالعين الصهيونية التي لا تريد للبنان سلاماً داخلياً ولا وحدة وطنية ولا استقراراً سياسياً ولا اقتصاداً حقيقياً حتى يصل شعبه إلى حال من الإنهاك والعجز الذي يجعله يتقبل التسليم لما يطرح عليه من مشاريع يتم التحضير لها وتتصل بتغيير الخريطة الدّيموغرافية للبنان وتغيير موقعه السياسي والارتماء في أحضان التطبيع مع الكيان الصهيوني".

وذكر ان "ربما لا زالت الفرصة متاحة أمام مراجعة دقيقة للسياسات التي أوصلت البلد إلى المأزق الحالي، تكبح جماح المغامرات غير المحسوبة، معيدين التذكير بما كنا قد أكدنا عليه مراراً بأن مصلحة الوطن تقتضي من كل فريق أن يتقدم خطوة نحو الفريق الآخر بما يحول دون اصطدام تفرضه ما نشهده من اصطفافات طائفية ووطنية حادة، لن يكون أبداً لمصلحة أحد، ما يقتضي من المخلصين من أصحاب الإرادة الوطنية الحرة للإسراع بالعمل على فتح كوة في هذا الجدار المسدود، تفتح الباب أمام مبادرات تحمي هذا الوطن وتلبي الحد الأدنى من حاجات اللبنانيين الذين باتوا يحملون من الأعباء ما لا يستطيعون الاستمرار في تحمله".