انقشع غبار المعركة المحتدمة التي شهدها مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية، وذلك على الرغم من ان النتيجة لم تشكل اي مفاجأة لأحد، سوى ان الورقة البيضاء كانت الحلقة الاضعف في ذلك اليوم، ولم تلقَ البريق الذي اعتادت عليه في الجلسات الـ11 السابقة.
انقسمت الاصوات، وتم تحديد الاتجاهات السياسية للنواب ("كلن يعني كلن") لانه لم يكن هناك من نائب لم يقترع من خلفيّة اما حزبيّة او مراعاة لحزب او تيار سياسي او "نكاية" بتيار وحزب معيّن.
اليوم، وبعد عودة الامور الى المربّع الاول في الشق الرئاسي، عادت مسألة النازحين السوريين الى الواجهة، في ظلّ كلام علني للمسؤولين اللبنانيين بعدم القبول ببقاء النازحين (وقد صدر موقف اكثر حزماً من وزير الطاقة في حكومة تصريف الاعمال وليد فياض يهدّد فيه بقطع الكهرباء عن مخيّمات النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين اذا لم يدفعوا، وكأنّه قادر على القيام بهذه الخطوة!)، مقابل ازدياد التعنّت الدولي بعدم اعادتهم الى بلادهم. وفي كل المعارك السياسية للبنان مع دول العالم، كانت الخسارة دائماً رفيقته، ومن المتوقع الا يشذّ عن هذه القاعدة في موضوع النازحين.
يربط البعض بين قضيّة النازحين ومسألة انتخاب الرئيس، وليس غريباً ان يؤيّد الكثيرون هذا الربط، لان مسألة انتخاب الرئيس هي مفتاح الاهتمام بلبنان، والبداية الاكيدة لمشوار التسوية والانفراج الطويل المنتظر، وعليه فإن الدول الخارجيّة واضحة ولا تحتاج الى المواربة في الحديث عن انّ مسألة النازحين السوريين غير قابلة، أقلّه في الوقت الراهن، لأيّ شكل من اشكال المراجعات، مع القبول طبعاً بتقديم بعض الاغراءات الباهتة لامتصاص النقمة اللبنانيّة. ازاء ذلك، هل يمكن القول انّ النازحين يملكون بالفعل مفتاح حلّ الازمة الرئاسيّة اللبنانيّة؟ بالطبع لا، ولكنهم يملكون في المقابل، طرف الحلّ لانهم جزء منه شاء من شاء وابى من ابى، ويمكن للبنان ان يصرخ قدر ما يشاء من دون ان يغيّر شيئاً في النتيجة، لانّ الاصرار الغربي واضح جداً، والرهان على عدم الوصول الى حال الفلتان التام في هذا البلد، لا يزال مربحاً لانه نقطة الفصل بين تشتت النازحين الى مختلف دول العالم او بقائهم في لبنان. لا يحق للنازحين واللاجئين انتخاب رئيس للبنان، ولكنهم يساهمون بذلك بطريقة غير مباشرة، وبدعم واضح من الامم المتحدة والمنظمات الدوليّة، ولا يمكن القفز فوق رأيهم في هذا السياق، ايّ بمعنى آخر، فإنّ أيّ رئيس او مشروع تسوية متكامل في لبنان يجب ان يلحظ بقاء النازحين (لفترة من الوقت او لأمد طويل) وتحت ذريعة "ترتيب العودة" او التنسيق مع الامم المتحدة لهذه الغاية، او غيرها من التسميات التي لن تقدم، بل ستؤخّر هذه العودة. ويقيناً، كنا سنقترب اكثر من الحلّ المنشود لو اقتنع اللبنانيون ببقاء السوريين على ارضهم، لكن المشاكل ستبقى والانتخابات الرئاسيّة ستتأخر الى ان يتم حل العديد من الامور، ومن ضمنها النزوح السوري.
مشكلة النازحين باقية وقد تعاطى معها لبنان اصلاً من منطلق خاطئ، وها هو اليوم يدفع ثمن ذلك، ولمن يهتم بمعرفة التوجّه في الانتخابات الرئاسيّة لناحية الحلّ او التعقيد، فعليه قراءة مؤشّرات النازحين في لبنان. ولا يمكن انتظار تغييرات جذرية في هذا الشأن، الا عندما يجد الغرب ان الفلتان الشامل بدأ يطرق ابواب لبنان، فعندها سيفتح الباب اكثر امام التفاوض البنّاء، والا فإنّ الآذان ستكون مسدودة امام صرخات لبنان واللبنانيين، وسيبقى الجواب الشافي لكل الدعوات الى عودة النازحين: انتظروا الحل السياسي الشامل في سوريا، والاصلاح الكامل في لبنان.