بالتأكيد لم تكن الإعتمادات المالية هي السبب الذي دفع بحكومة تصريف الأعمال الى تأجيل إمتحانات الشهادة المتوسطة أو البريفية ومن خارج جدول الأعمال، وبالتأكيد أيضاً لم يكن سبب التأجيل، الخوف من إضراب أساتذة التعليم الرسمي وإحتمال مقاطعتهم الإمتحانات، لأن وزير التربية عباس الحلبي سبق أن وعدهم بدفع أموال المراقبة والتصحيح بالدولار الفريش، وهم كانوا على إستعداد لهذه المهمة.

أيضاً وأيضاً بالتأكيد، لم يكن سبب التأجيل عدم قدرة وزارة الداخلية على تغطية مراكز الإمتحانات أمنياً لأن من هو قادر على تأمين هذه الحماية لمراكز إمتحانات الشهادة الثانوية، هو قادر أيضاً على تأمينها لإمتحانات الشهادة المتوسطة.

ما حصل فعلياً هو أنهم إتفقوا قبل الجلسة على تطيير إمتحانات البريفية لأسباب غير معلنة وجاؤوا الى السراي وطيّروها بدقائق قليلة خلافاً لرأي وزير التربية والأساتذة وخلافاً لرأي الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية. والمقصود هنا بفعل "إتفقوا" هم وزراء ثنائي حزب الله وحركة أمل ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الداخلية والبلديات بسام مولوي، هذا من دون أن ننسى الغطاء السياسي الذي حصلوا عليه أيضاً من الحزب التقدمي الإشتراكي ومن دون معرفة وزير الحزب عباس الحلبي ومن هنا عبّر الأخير في لحظة غضب بعد الجلسة عن إستيائه من قرار التأجيل قائلاً "أعيد النظر بوضعي السياسي...".

أحد أبرز الأسباب غير المعلنة للتأجيل تقول المصادر المواكبة للملف، مرتبط بمخاوف دعاة التأجيل من أن يسجل تلامذة المدارس الرسمية نسبة رسوب عالية جداً في الإمتحانات لأنهم لم يتعلموا جيداً ولم يتلقوا كامل منهجهم بسبب إضراب الأساتذة المفتوح، وأن تكون نسبة النجاح الأكبر لصالح تلامذة المدارس الخاصة الأمر الذي يهدد أكثر فأكثر مصير التعليم الرسمي في العام المقبل ويدفع بما تبقى من تلامذة في المدارس الرسمية الى الإنتقال الى التعليم الخاص حتى لو أضطر أهلهم الى بيع ممتلكاتهم وأراضيهم لتسجيلهم.

أضف الى ذلك هناك سبب آخر جعل ميقاتي ووزراء الثنائي والداخلية يتحمسون على قرار التأجيل ألا هو الفضيحة التي يدور الحديث عنها داخل أروقة وزارة التربية وفيها معلومات عن تسجيل مدارس رسمية وبعض المدارس الخاصة لآلاف الطلاب المقربين من سياسيين والذين تفوق أعمارهم بكثير الأعمار المفترضة لتلامذة البريفية (14 و 15 و16 عاماً) كل ذلك بهدف ترفيعهم بالإفادات، والدليل على ذلك بالسؤال التالي، لو لم يكن أفرقاء الحكومة على علم مسبق ومنذ بداية العام الدراسي بأنهم سيعمدون الى إلغاء إمتحانات البريفية وسيجرون إمتحانات فقط لأصحاب الطلبات الحرة كما هو الحديث اليوم، ألم يكن من السهل على أصحاب الأعمار المتقدمة أن يتقدموا بطلبات حرة بدلاً من التسجيل في المدارس منذ بداية العام الدراسي ودفع الأقساط المدرسية بهدف المشاركة في إمتحانات البريفية؟!.

نعم كان هؤلاء على علم مسبق بأن أصحاب الطلبات الحرة لن يرفّعوا حكماً عبر الإفادات، وكونهم من المقربين من السياسيين، طلب هؤلاء منهم التسجيل في المدارس للحصول على الإفادات بعد إلغاء الإمتحانات، وهو أمر يجب أن يخضع لتحقيق شفاف داخل وزارة التربية، هذا إذا كنا نريد الحفاظ على ما تبقى من مستوى تعليمي وعلى ألقاب لبنان "مدرسة الشرق" و"جامعة الشرق" و"مستشفى الشرق"...