يمكن لأي لبناني ان يلحظ حجم الدورة الاقتصادية القائمة في البلد حالياً. أكدت التقارير الاقتصادية الدولية، ولا سيما تقرير "بلومبرغ"، ان حجم النمو بلغ في لبنان الآن ٤٪؜، في وقت يزدحم فيه مطار بيروت الدولي بالوافدين، لبنانيين مغتربين، وعرب واجانب، جميعهم حضروا الى بلد نمت فيه السياحة مجددا بشكل لافت: ازدادت اعداد المطاعم والمقاهي والنوادي الليلية، والمسابح، وامتلأت الفنادق بالحجوزات، وتعددت مظاهر الحياة الصاخبة. وهي ذات تأثير على مختلف ميادين العمل والمهن الحرة واليد العاملة.

لا يعني ذلك ان ازمة لبنان لم تعد قائمة، وتحديدا الاقتصادية، لكن يعني الامر ان الحياة في لبنان تستمر قدماً، لا تعيقها ازمات. المهم بالنسبة الى اللبنانيين والسائحين والمغتربين القادمين هو الاستقرار الامني.

استطاع البلد فرض معادلة "البلد ماشي"، رغم كل ازماته السياسية والاقتصادية. وهو ما يخيف من اعتياد اللبنانيين على الشغور في رئاسة الجمهورية، وتصريف الاعمال في مجلس الوزراء، وتمدد منطق التكليف نتيجة عدم وجود مدراء ومسؤولين في الاصالة.

لم يعد يهتم المواطنون لفراغات السياسة، طالما ان البلد ماشي، علما ان الازمة السياسية تبلغ اشدها حالياً. لكن انعقاد جلسات الحكومة، ووجود رئيس لها يصرّف الاعمال ضبط تأثير الفراغ، وابقى هيكل الدولة وحافظ على دورة الحياة المؤسساتية، ونظّم سير البلد.

الى اين؟

كل المؤشرات توحي الا حلول سريعة لملء الفراغ الرئاسي، او القيام بخطوات سياسية سريعة، علما ان ملف حاكمية مصرف لبنان سيفتح باب الازمة مجددا، في حال لم يحصل تعيين لحاكم جديد، او عندما لا تُعطى "عدّة الشغل" لنواب الحاكم التي يطالبون بها للسير في اطار عمل مؤسساتي في مصرف لبنان: ماذا لو فشلت كل الجهود لتسوية الملف؟ سيكون وضع الليرة اللبنانية مجدّداً رهن الخلافات والتباينات. وهنا لا يتحمل نواب الحاكم اي مسؤولية، بل ان ذلك يقع على عاتق القوى السياسية التي رمت كرة المصرف في الفراغ.

ثم يأتي ملف القيادة العسكرية الذي يجب الا يتطور الى حدود الفراغ في المجلس العسكري، لأن اي اهتزاز في هذا الجسم سيصيب كل لبنان، على قاعدة ان الاستقرار الامني منبعه قدرة القوى العسكرية والامنية التي تستمد فاعليتها من دور القيادات فيها بشكلٍ اساسي.

واذا كان قائد الجيش العماد جوزاف عون تعرض لهجوم سياسي في الايام الماضية، فإنّ زيادة "الدوز" في التهجم على قيادة الجيش، اياً تكن الاسباب، او الفراغ في قيادة المؤسسة، سيهز امن واستقرار لبنان.

بالخلاصة، فإن دورة الحياة في البلد، مسنودة الى عنصرين: مصرف لبنان، وقيادة الجيش، وهما محطتا الاختبار اللبناني في الاونة المقبلة.

وعليه، يجب ان ينصبّ الاهتمام اللبناني في غياب الاتفاق السياسي على انتخاب رئيس جديد للجمهورية وعلى ملفي المصرف المركزي والمجلس العسكري، الضامنان في ظل حكومة تصريف الاعمال لبقاء البلد، ومن دون تسيير الاعمال او وجود شغور في المركزين المذكورين لا بقاء للبلد.