لم يرق الاجتماع الخماسي الذي عقد في ​قطر​ منذ ايام وضم الدول الاكثر "مونة" على ال​لبنان​يين (من دون ​ايران​)، الى مستوى التوقعات والآمال التي كانت منصوبة عليه، لانه عكس هشاشة الاهتمام الدولي بانتخاب رئيس، ما يعني عدم الرغبة الدولية في الضغط على اللاعبين المحليين لانهاء الفراغ في منصب الرئاسة من جهة، وتحسين الوضع العام في لبنان خطوة خطوة بدءًا من خطوة الرئاسة وبعدها الحكومة وانطلاق المسار الطويل للتعافي الاقتصادي والمالي.

كان من الواضح ان مجرد تلاقي الدول: ​الولايات المتحدة الاميركية​، ​فرنسا​، ​السعودية​، مصر وقطر في مكان واحد من اجل قضية واحدة، كفيل بزرع الامل في قلوب الكثيرين وفي مقدمهم اللبنانيين الذين ينتظرون الحل من الخارج لعلمهم انه الطريق الوحيد المجدي ولا نجاح لاي طريق داخلي من دونه. وعملياً، ما قدمه الاجتماع الخماسي يقتصر فقط على حقيقة ان الموضوع الرئاسي لا يزال في خانة "راوح مكانك"، وما التهويل والتهديد بالعقوبات سوى صياغات هدفها اطالة عمر الازمة وتقديم "تشويق" جديد للاحداث. فمن الذي سيفرض العقوبات وعلى من؟ اذا كانت الدول الخمس قد اتفقت على حل، فلا حاجة لها لفرض عقوبات على احد، ويمكنها ببساطة فرض القرار على اللبنانيين كما كان يحصل عادة، اما "الاقتصاص" من المعرقلين، فيجب اولاً تحديد هويتهم، وما ان يتم ذلك سيترسخ الانقسام الدولي لان كل طرف معرقل يؤيد جهة دولية نافذة، فكيف السبيل الى فرض العقوبات على المعرقلين لانتخاب الرئيس وكل واحد يعتبر ان الآخر هو المعرقل (المعارضة تتهم التغييريين وهؤلاء يتهمون المعارضة والفريق الآخر الذي لم يتم اطلاق تسمية عليه كونه اتفق مرحلياً فقط). اضافة الى ذلك، لا يمكن نسيان بيان البرلمان الاوروبي ببنوده كافة، وفي مقدمها بند الاصرار على ابقاء ​النازحين السوريين​ في لبنان، اضافة الى الخطاب الناري للسفيرة الفرنسية المغادرة آن غريّو في ذكرى 14 تموز. وهذان العاملان ان دلاّ على شيء، فعلى عمق التباعد الدولي حول المسألة اللبنانية، فيما لا تزال اللحمة راسخة في المقابل، بشأن الوضع الامني بشكل عام ودعم الجيش اللبناني، وقضية النازحين. ويمكن تلقف الغضب في كلام غريّو من اللبنانيين الذين افشلوا مبادرات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون منذ العام 2020 وحتى اليوم، كما يمكن وضعه في اطار "الغمز من قناة اللاعبين الدوليين" لجهة تذكيرهم بأن فرنسا لن تقبل بالتفريط بالورقة اللبنانية وسحبها من يدها، وانها قادرة على لعب ورقة "النفس الطويل" كي لا تخسر نفوذها الذي لطاما حافطت عليه منذ ما قبل الاستقلال اللبناني الى يومنا هذا.

وكمرآة لما خرج به هذا الاجتماع، زادت المواقف الداخلية حدة بين الاطراف، وبدأ كل طرف، كالعادة، الترويج لسقوط هذا المرشح او ذاك، فيما الحقيقة هي ان المرشحين جميعاً لا يزالون حاضرون على الطاولة ولم تنقص حظوظ اي منهم بعد، على الرغم من كل ما قيل ويقال في هذا الخصوص. وينتظر ان تزداد فترة التهويل والوعيد و"التبصير" بأننا سندخل مرحلة صعبة وبالغة الخطورة اذا لم نصل الى نتيجة، وهو الكلام نفسه الذي يتردد منذ اكثر من 3 سنوات والذي لا طائل منه سوى التخويف، لان اللبنانيين قد تأقلموا على العيش كل يوم بيومه، وانتظار المفاجآت غير السارة التي يواجهونها يوماً بعد آخر، ولم يعد هناك ما يخيفهم.

لكل المتفائلين باقتراب انتهاء ​الفراغ الرئاسي​، نأمل الا يخيب ظنهم على الرغم من ان المعطيات كلها تشير الى ان هذا التفاؤل ليس في مكانه وان الازمة لا تزال على حالها ولم تقترب من الحل، على امل ان يظلل التوافق الاجتماعات الدولية قبل الانتقال الى الاجتماعات الداخلية.