لإبنِهِ الوَحيدِ إختارَ عَرشاً وَلا العُروشَ كُلَّها... مُذ ما قَبلَ قَبلَ تَجسُّدِهِ.

هوَ لبنانُ عَرشُهُ المُغطَّى بالأُرجوانِ، بِعَوامِيدِهِ، وَتاجِهِ، وَمِقعَدِهِ، على ما يُعليهِ نَشيدُ الأنشادِ (3/9-11)، جامِعاً سُلطَةَ عَظيمِ الكَهَنَةِ الى قُدسِ أقداسِ الأُلوهَةِ.

هوَ عَرشُ المُلوكِيَّةِ، والقَضاءِ.

بِهَذِهِ الجَلالَةِ المَسيحيانِيَّةِ المُزدَوِجَةِ، التي مِن لبنانَ، خَصَّ اللهُ الآبُ إبنَهُ، وَدَعا "بَناتَ أورشَليمَ" لِمُلاقاةِ المَلِكِ الآتيَ "في يَومِ عُرسِهِ، يَومِ فَرَحِ قَلبِهِ"، الى مَقَرِّهِ على "سَفحِ جَبلِ لبنانَ".

ها نَحنُ، في ذُرى زَواجِ الإبنِ-العَريسِ وأُمَّتِهِ-العَروسُ، وَمَوكِبُهُ يُرافِقُ تابوتَ العَهدِ. يا لِهَذِهِ الإحتِفالِيَّةِ: "تَبتَهِجُ نَفسي بإلَهيَ، لأَنَّهُ ألبَسَني ثِيابَ الخَلاصِ وَكَسانيَ رِداءَ البِرِّ، كَعَريسٍ يُتَوَّجُ بالتاجِ وَكالعَروسِ المُتَحَلِّيَةِ بِزينَتِها" (أشِعيا 61/10)!.

وَها مِن ذُروَةِ هَذِهِ الرَونَقَةِ، يَصدَحُ العَريسُ: "هَلُّمي مَعي مِن لبنانَ، يا عَروسي، مِن لبنانَ مَعي تَجيئِينَ. مِن أعاليَ أمانَةَ تَنحَدِرينَ، مِن رأسِ شَنيرَ وَحَرَمونَ، مِن مَرابِضَ الأُسودِ وَجِبالَ النُمورِ... شَفَتاكِ تَقطُرانِ شَهداً... وأَريجُ ملابِسِكِ أَريجَ لبنانَ" (نَشيدُ الأنشادِ 4/7-11).

وَها مِن بَهاءِ لبنانَ-الدَعوةِ، يَتَجلَّى الخَلاصُ: "تَكونينَ إكلِيلَ فَخرٍ في يَدِ الرَبِّ وَتاجَ مَلِكٍ في كَفِّ إلَهِكِ... لِأَرضِكِ لا يُقالُ بَعدُ: "خَرِبَةً" بَل تُدعَينَ: "رِضايَ فيها" وَ"أرضاً مُزَوَّجَةً"، لأَنَّ الرَبَّ يُسَرُّ بِكِ... فَكَما يَتَزَوَّجُ الشابُّ بِكراً، يَتَزوَجُّكِ الذي بَنَاكِ، وَكَسُرورِ العَريسِ بالعَروسِ يَفرَحُ بِكِ إلَهُكِ." (أشِعيا 62/3-5).

أمِن لبنانَ-العَرشِ، عَهدُ المُلوكِيَّةِ المَسيحانِيَّةِ؟ بَل مِنهُ المَجيءُ الإسكاتولوجِيُّ لِلمَسيحِ-المَلِكِ وَفيهِ. فيهِ وَمِنهُ، عَهدُهُ الأبَدِيُّ بِمِلءِ كَمالِهِ. ألَم يَتَغَنَّى داوودُ أنَّ هذا العَرش لِ"أبَدِ الدُهورِ" (مَزمورُ 45/6)؟ ألَم يَعتَرِفُ المَلِكُ-المَسيحُ بِلِسانِ هوشَعَ: "أقطَعُ لَهُمُ عَهداً في ذَلِكَ اليَومَ مَعَ وحوشِ البَرِيَّةِ وَطُيورِ السَماءِ والحَيواناتِ التي تَدُبُّ على الأرضِ، وأَكسِرُ القَوسَ والسَيفَ والحَربَ مِنَ الأَرضِ... وأتَزَوَّجُكِ الى الأَبَدِ. أتَزَوَّجُكِ بالبِرِّ والحَقِّ والرَحمَةِ والرأفَةِ. أتَزَوَّجُكِ بِكُلِّ أمانَةٍ، فَتَعرِفينَ أنَّي أنا الرَبُّ" (هوشَعُ 2/18-20)؟.

فَلنُكَرِّر: مِنَ الآبِ نَفسِهِ هَذا العَرشُ، وَلَيسَ الإبنُ مَديناً بِهِ لِأَحَدٍ. أجَل! مِن لبنانَ وَفيهِ، المَسيحُ-الإبنُ-المَلِكُ يُرسي مَلَكوتَ اللهِ على الأَرضِ. وَ"بَناتُ أورشَليمَ" رَمزٌ لِلبَشَرِيَّةِ، التي إلَيها مَنهُ عَهدُ حُبٍّ... سَيَنتَصِرُ لَها بِجَسَدِهِ وَدَمِهِ على كُلِّ مَوتٍ.

المُتَوَّجُ يُتَوِّجُ

وَبَعدُ، المَسيحُ-العَريسُ، وَهوَ المُتَوَّجُ بِلبنانَ مِنَ الآبِ، يُتَوِّجُ أمَّتَهُ-العَروسُ-المَلَكوتُ بِلبنانَ: "إسمَعي يا بِنتُ... إنسَي شَعبَكِ وَبَيتَ أبيكِ، فَيَصبوَ المَلِكُ إلى حُسنِكِ، يا بِنتَ صورَ." (مَزمورُ 45/10-13)، وَقَد قَضى فيها على كُلِّ خَوفٍ. ألَيس، وَهوَ "العَمَّانوئِيلُ"، الإسمُ الذي أعطاهُ إيَّاهُ الآبُ، القائِلَ: "أنا هو" (متَّى 14/27)... "أنا غَلَبتُ العالَمَ" (يوحنَّا 16/33)؟

إذ ذاكَ، تَنمو الأُمَّةُ-المَلَكوتُ-العَروسُ، وَ"تُزهِرُ كالسَوسَنِ وَتَغرُزُ جُذورَها كَلبنانَ. وَتَنتَشِرُ فُروعُها... وَتُزهِرُ كالكَرمَةِ فَيَكونُ ذِكرُها كَخَمرِ لبنانَ." (هوشَعُ 14/5-7)... أو لا تَكونُ!

لبنانَ! رَحابَةُ الغايَةِ المَسيحانِيَّةِ الَتي تَرفَعُ دُنيَوِيَّةَ الوجودِ لِتُتَوِّجَها، بِهِ وَفيهِ، عَلى إسمِ الكَينونَةِ في الأُلوهَةِ، بالأَبعادِ الجَسَدانِيَّةِ الثَلاثِ لِلدَهرِ وَمُنتَهَاهِ: الماضِي مِن حَيثُ هو عُبورٌ، والحاضِرُ المُوَحِّدُ، وَالآتي حَيثُ اللهُ في العالَمِ والعالَمُ في اللهِ.

بَدءٌ وَنِهايَةٌ؟ بَل إقرارُ اللهَ أنَّ البَدءَ والنِهايَةَ... مِن لبنانَ.

مِن أجلِ تِلكَ الأُمَّةِ-العَروسِ، كانَ لبنانُ-العَرشُ-الخاصُّ أبَدِيَّةَ عَقلانِيَّةِ اللهِ وَأزَلِيَّةَ حِكمَتِهِ... التي فيها يُحَقِّقُ هوِيَّتَهُ الحَقيقِيَّةَ. هي لَيسَت حدَّاً بَل الوِحدَةَ! هي التَضحِيَةُ الكُلِيَّةُ والعِناقُ المُطلَقُ. ولبنانُ "أناها".