متى يشلح اللبنانيون زعماء لبنانهم هذا في الحاويات المحروقة المقلوبة على قفاها في الساحات والشوارع، لطالما الوطن صار مقلوباً طنيناً سخيفاً جريحاً ينطّ من سفارة لأخرى ومن مبعوث لآخر؟

متى يرمي الإعلاميون أقلامهم وشاشاتهم وميكروفوناتهم من النوافذ وينزلون وينضمون داعين الناس إلى الشوارع؟

متى يرمي القضاة مطارقهم وتحقيقاتهم وتقارير مساعديهم من نوافذ العدليّات وينزلون إلى الناس أمام قصور العدل؟

متى يرمي أساتذة الجامعات منابرهم ومكاتبهم وكتبهم ويزحفون مع طلابهم نحو الساحات والشوارع؟

إلى متى سنبقى عبيداً أذلاّء ل ذريّة من الكذابين الحاقدين ابناء عشواء وأحفادها وزوجها هولاكو... يقضمون معاً لبنان مؤسسة خلف أخرى وبقعةً خضراء خلف أخرى؟

الدماء التي تجري في عروقنا باتت تتحرّك عشوائيّاً، والشعيرات الدقيقة التي تمسك بخرائط أدمغتنا وأحاديثنا وإعلامنا تداخلت وصارت عشوائيّة. لا نميّز بين الحبر والبحر والحب والبراح ولا بين الخطوط والألوان والتعليق والمقال والخبر والخبر والسر والهمسة والكذبة والتهمة.

نخلط في إعلامنا الصديق بالعدو والجلاّد بالشقيق. نعانق العدو ونشهر السلاح في وجه الرفيق والصديق. باتت بلادنا وجهات نظر طائفيّة ولزجة ومفبركة مجبولة بالأكاذيب والحماس الصبياني وبالفكر والبيانات وبالتقارير والخطب المستنسخة والدراسات المستوردة.

هكذا تبدو أعمارنا وأجيالنا وإعلامنا وصحافتنا أصداء متقاتلة بالحبر والصوت وكأنّها نقيق ضفادع وأعناق أغنام ومدراس ومنابر للشكوى والنواح ومساحات مقطّعة لا تتشابه ولا تثمر سوى قطعة أرضٍ بارت بأهلها ويستحيل تحييدها أو حيادها أو تقسيمها أو تجزأتها أو العيش فيها ويستحيل المرض فيها أو اللقاح حتى للوباء الفاسد فيها.

يتكلّم نائب أو وزير بال​سياسة​ في الشاشات، فإذا به من موقع عشائري وقلب طائفي حافل بالتفاهات. يتفاصح رجال بالدين والصلوات من على الشاشات وإذا بهم أقنية تحريضيّة منقوعة حافلة بالطائفيات.

ينادي بالمساواة وهو سيّد الطغاة في بيته ومع بناته وزوجاته وعشيرته وجيرانه.

يطالب بالعدالة والمساواة وقد بلع حروفها كلّها وألغاها من القواميس والكتب ورماها في المراحيض.

لا فرق في هذا بين كبير وصغير أو حاكم ومحكوم.

أصلاً ليس هناك من حاكم في لبنان، هناك محكومون مكحكحون .

ينتقل أحدهم ليعمل مستشاراً أي خادماً من سياسي لآخر ناطقاً باسماء تتناقض، وكأنّه الوجه الآخر للسياسي ولكل سياسي مدافعاً عن فصول النهب والفساد، ويصبح ما يحكيه نباحاً مستباحاً تقلّده الكلاب البشرية المتعدّدة التي تصطفّ بين أيدي السياسيين وعلى أبوابهم لتحاسب وتجمع وتراقب وتدافع عن ذئاب الحاكم ناهبي الغلال من جيوب لبنان واللبنانيين، ولتبرّر ما كدّسه في داره ومصارفه في الداخل أو عند تهريب سرقاته إلى مصارف الخارج.

ينادي السياسي بالحريّة في الرأي وفي الليل ترى جيوشا تندسّ في بيوت الناس وزواياهم وأسرّتهم كما في حنايا صدورهم وتحت ألسنتهم يدافعون عن أسيادهم الديكتاتوريين الذين يغتالون ب"الفرّاعات" وخنقاً كل حر فتح ملفّا أو جاهر بفضيحة أو وثيقة بينما القوى الأمنيّة متلمظة حائرة نائمة وساهرة يأكلها العوز، ومعظم القضاة لا ينامون وكأنهم لم يسمعوا بعد بإضرابات أو أستقالات أو صراخات مظلومين.

ينبّه الزعيم الخارج أميراً من خلف المتاريس، بالصوت العالي في وسائل الإعلام، إلى مصالح الفقراء والجائعين وكلّ همّه سحب اللقمة من أفواه الجائعين وإبقاء المصابيح مطفأة في الطرقات وفي البيوت المهدّمة وأكواخ المهجّرين والنازحين.

يركع واحدهم أمام المذابح وفي بيوت العبادة المتنوّعة ورموز الدين والصور مبتهلاً " قدّيساً "، وعند منتصف النهار نراه يتسلّل تواصلاً نحو مديري المصارف لأجل التلاعب بالعملات وقتل الليرة وتحقير الأرزة والحاكم بأمر المال شريكه وصديقه وربيبه.

نعم…

متى يرمي الإعلاميون أقلامهم وشاشاتهم من الشبابيك وينزلون إلى الناس في الشوارع؟.

متى يرمي القضاة مطارقهم ومساعديهم خارج العدليّات وينزلون إلى الناس أمام قصور العدل؟.

متى؟ إملأوا الفراغ لا بالقراءة بل بالصراخ والرفض الشامل لهذا اللبنان.

متى تحرقون الخردة بصيغ الجمع من هذا اللبنان؟.