عادت ازمة الكهرباء لتفرض العتمة على اللبنانيين. العنوان: مستحقّات الشركات المشغّلة لمعملي دير عمار والزهراني. بينما مضمون الازمة أكبر بكثير من محطة المستحقّات لشركة او اثنتين. هي ازمة قطاع يئن منذ عقود بعدما كلّف خزينة الدولة مليارات، وتبيّن انه السبب الرئيسي في نفاذ اموال المودعين التي كانت اقرضتها المصارف الى ​الدولة اللبنانية​.

واذا كان جرى تأمين المستحقّات المطلوبة حالياً للشركات، فهل تنتهي ازمة الكهرباء؟ بالتأكيد لا يمكن وقف النزيف المالي الذي يسببه ​قطاع الكهرباء​ في لبنان، نتيجة سوء التعاطي السياسي العام مع هذا الملف منذ ارساء دولة ما بعد الطائف. وبالتالي، لا يتحمل أي فريق سياسي المسؤولية وحده، ولا وزير واحد بعينه، بل تتحمل كل التركيبة السياسية الحالية والسابقة مسؤولية ازمة قطاع الكهرباء.

لم تعد تملك الدولة اموالاً لزوم متطلبات الكهرباء منذ سنوات مضت، لكن ​المصرف المركزي​ كان يؤمّن المطلوب كهربائياً من اموال المودعين، كسائر متطلبات الدولة اللبنانية. وما ان حلّ حاكم المصرف بالإنابة وسيم منصوري في ادارة المركزي، حتى فرض تطبيق التزامه: لا تمويل للدولة من اموال المودعين، يعني ذلك لا موافقة على مد اليد الى تلك الاموال.

طرح وزير الطاقة في حكومة تصريف الاعمال وليد فياض استبدال اموال الجباية الموجودة بالليرة، بعملة الدولار، لكن الطرح الحكومي يؤدي الى اهتزاز سعر الليرة الذي نجح منصوري بضبطه منذ استلامه الحاكمية بالإنابة من دون اكلاف وخسائر، مما ادى الى رفض منصوري حالياً تخريب السوق، استناداً الى ما ينص عليه قانون النقد والتسليف.

فما هو البديل؟

يمكن للحكومة حالياً استخدام اموال SDR، التي قيل انها تبلغ 120 مليون دولار، وثم البدء بإصلاحات جدّية لتأمين ايرادات للخزينة.

تؤكد المعطيات ان المركزي الذي لن يمس ب​أموال المودعين​، ولا ضخ الليرة في السوق منعاً للتضخم، لا يستطيع وحده تحمّل اعباء تكاليف: رواتب موظفي القطاع العام بالدولار، حاجات المؤسسات العسكرية والامنية بما فيها المحروقات، اضافة الى دعم ادوية الامراض المستعصية، لتأتي متطلبات قطاع الكهرباء تحمل الرفض نتيجة الاستحالة المالية.

تبدو المسؤولية الانية تقع على عاتق الحكومة، بينما المسؤولية المُستدامة تقع على عاتق كل القوى السياسية المتمثّلة في ​المجلس النيابي​ حالياً.

لم يعد ينطلي على أحد في الداخل والخارج الحديث عن مسؤوليات الآخرين، بإتهام كل فريق لبناني الفريق الآخر، بينما لا يتم الإتفاق بين كل المكونات السياسية على خطة إصلاحية يطالب بها المجتمع الدولي برمّته: لا مساعدات مالية غربية او عربية من دون اصلاحات جذرية. وهو ما اكده ​صندوق النقد الدولي​، وعواصم القرار من واشنطن، مروراً بباريس، الى الرياض، وغيرهم الذين كانوا ينتشلون لبنان من ازماته المالية عبر الهبات والقروض والودائع وتنظيم المؤتمرات.

لذلك تبدو مسؤولية العتمة عند كل القوى السياسية التي لا تزال في موضع الجدل بشأن التشريع، ولا تتفق ايضاً على انتخاب رئيس للجمهورية. لذا، ان لبنان بمؤسساته وشعبه يدفع اثمان باهظة لقاء اختلاف سياسييه، ويعيش في عتمة، وتحت رحمة اصحاب مولدات الكهرباء بتكاليف تفوق القدرات.

واذا كان حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة امدّ الازمات بعلاجات موقتة، فإن حاكم المركزي بالإنابة اليوم "اقفل الحنفية" كما قال رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في اجتماع ​مجلس الوزراء​، لأن الاموال المطلوبة دولارياً هي ليست ملكاً للحكومات بل للمودعين، ولا يبدو ان منصوري سيصرف منها لا بتشريع ولا بغيره، طالما لا يضمن اعادتها لاصحابها، عبر خطة اصلاحية جدية.