ترأس راعي ابرشية صربا المارونية المطران بولس اميل روحانا قداسا احتفاليا لمناسبة عيد مار زخيا العجائبي، في كاتدرائية البلدة التي تحمل اسم شفيعها في عجلتون الكسروانية.

وفي عظته اشار المطران روحانا الى ان "حياة هذا القديس الكبير الذي يجمعنا الليلة ورسالته منذ ولادته أواخر القرن الثالث في مدينة باتار الواقعة على الشواطئ الجنوبية من اسيا الصغرى والمعروفة اليوم بتركيا، من أسرة غنية عرفت بالتقوى والفضيلة والمناقب المسيحية الجميلة التي جعلها حلية لنفسه وعقله، ومتخليا عن المال الكثير الذي ورثه عن عائلته موزعا اياه على الفقراء والمعوزين، وهذا هو البعد الاجتماعي التضامني للمال الذي هو في حوزتنا، في روحية السامري الصالح، والنابعة من وصيتين متكاملتين في العهد القديم ان نحب الله بشكل كامل وأن نحب القريب محبتنا لنفسنا. وهذا يجعلنا نفكر بما أعطانا اياه الله من مقتنيات وأموال وبالعمل المربح وعلاقتنا بكل ذلك".

اضاف: "علينا أن نفكر في الموضوع بنقاوة فكر وقلب، لان يسوع يحذرنا من مخاطر عبادة المال، ويقول لنا في نص العظة على الجبل "لا يقدر أحد ان يعبد ربين، فأما يبغض الواحد ويحب الاخر او يلاز م الواحد ويرذل الاخر، لا تقدرون ان تعبدوا الله والمال".

وتابع: "المال يعطي الإنسان ايها الاخوة الشعور بالأمان والاستقرار والقوة والهيبة والسطوة، هذا صحيح في المفهوم الإنساني، لكنه بعيد كل البعد عن المفهوم الأيماني والروحي وما هو في كيانه الإنساني المخلوق على صورة الله ومثاله. لدنا جميعا فقراء او اغنياء، خلقنا كائنات شراكة مع الاخر، متساوية مع إخوتنا البشر، ولنا هنا قول للسيد المسيح لرجل طلب منه أن يتدخل في مسألة ميراث بينه وبين أخيه فقال: "احذروا وتحفظوا من كل طمع لانه مهما كثر غنى الإنسان، فحياته ليست من مقتنياته"، ومن مخاطر عبادة المال أيضا هو الإكثار الفردي بها إلى حد التغاضي عن مآسي الناس حولنا وعدم الشعوري بالبعد الاجتماعي - التضامن للمال الذي في حوزتنا، ولنا في مثل الغني الجاهل، كما جاء في إنجيل لوقا خير دليل على ذلك، وفيه يكشف لنا الرب يسوع كيف ان الضمير الإنساني يمكن أن يصبح مصفحا، بحيث لا يعود يشعر الإنسان بمآسي الناس حوله بالشراكة معهم. فالإنسان الذي يحب المال إلى حد العبادة يقصي الله عن قلبه، وفي فعله هذا يقصي أيضا للقريب عن دائرة اهتماماته، فيعيش الإنسان في الأنانية والغطرسة المطلقة، اما الإنسان الذي يحب الله ويحب القريب في روحية مثل السامري الصالح، ينحني على اوجاع الناس ومآسيهم يداويها من ماله الخاص، محبة الله ومحبة القريب هي وصية واحدة في وجهين مختلفين".

وتوجه المطران روحانا الى المؤمنين :"نحن أمام علم كبير من اعلام القداسة في كنيستنا، الا وهو القديس نقولاوس، اي مار زخيا، هذا الأسقف الاجتماعي بأمتياز، نصلي اليوم طالبين من الله بشفاعة مار زخيا العجائبي، ان يعطينا القوة لتجنب مخاطر عبادة الله، فيما يعاني بلدنا منذ سنوات من فساد مالي بدافع الاثراء السريع وغير المشروع الذي يجنى بدون تعب وطرق ملتوية، وقد اصاب هذا الفساد المؤسسات الرسمية، وربما الخاصة أيضا، وشارك فيه المسؤولون والمواطنون على حد سواء، حتى انهار الصرح المالي على رؤوسنا جميعا ونحن كلنا نعاني من ذلك، نصلي اليوم طالبين من الله بشفاعة مار زخيا العجائبي ان نعي ونحقق البعد الاجتماعي التضامني للمال فنعمل جاهدين على أن تستعيد الإدارة الرسمية في الدولة دورها الناظم للمال العام، بحيث لا يعود هناك من تهرب ضريبي بحجة عدم الثقة بقدرة الدولة على إدارة المال العام، فيغتني المواطن على حساب المصلحة العامة التي تتقهقر يوما بعد يوم".

اضاف: "نصلي اليوم وكل يوم للخروج من هذه الحلقة المفرغة التي تفرغ الدولة والمواطنة من كل مقوماتها، فنستعيد تدريجيا العدالة الاجتماعية التي تؤمن الأمن الاجتماعي للجميع، فالامن الاجتماعي يليق بدعوة الإنسان ورسالته وهي ان يكون اولا بشراكة مع أخيه الإنسان، فاعطنا يا رب بشفاعة مار زخيا رجال دولة يحملون هم الكل ويعملون لمصلحة الكل ضمن حدود الحقوق والواجبات فينهض من جديد وطن الرسالة لبنان".

وبعد القداس والمراسم الروحية والدينية للعيد، توجه المطران روحانا إلى الباحة الخارجية للكاتدرائية مباركا هريسة العيد قبل أن توزع على الحضور، داعيا الرب "لأن نكون نحن الذبيحة الحية التي نرفعها بايماننا ومحبتنا وقلوبنا في سبيل بعضنا البعض ليبقى ايماننا ويبقى لبنان".