بعد موجة كبيرة من الأسئلة والتوقعات، حول توقيتها ومضمونها، حطّ المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في بيروت، يوم أمس، في زيارته الثالثة إلى لبنان، لكن من دون أن يكون في جعتبه أي طرح جدي، من الممكن الرهان عليه في سبيل إنجاز الإستحقاق الرئاسي في وقت قريب.

المقاربة الموضوعيّة لهذه الزيارة، تنطلق من معطيين: الأول هو أنها تأتي بعد لقاء جمعه والمستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلول، بعد إلغاء اللقاء الثنائي الذي كان من المفترض أن يحصل بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، على وقع تزايد القناعة، في أوساط أعضاء اللجنة الخماسية، بضرورة الذهاب إلى رئيس تسوية، أما الثاني فهو سقوط غالبيّة الطروحات الحواريّة، بسبب رفضها من قبل بعض الكتل المعارضة.

بناء على ذلك، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ المبعوث الرئاسي الفرنسي يزور لبنان من دون مبادرته الحواريّة، التي كانت قد برزت في زيارته الثانية، لكن على وقع إطار جديد، منسق مع باقي أعضاء اللجنة الخماسيّة، أيّ السعوديّة وقطر ومصر وأميركا، إلى جانب بروز المزيد من المخاطر، التي تضاف إلى الواقعين الإقتصادي والإجتماعي، أبرزها الإشتباكات في مخيم عين الحلوة وموجة النزوح السوري الجديدة، التي وصفت من قبل القادة الأمنيين بأنّها خطر وجودي.

وفي حين تلفت هذه المصادر إلى أنّ هذه الزيارة تأتي أيضاً على وقع توازنات أوضح على المستوى الداخلي، تبدأ من رفض بعض قوى المعارضة الحوار، ولا تنتهي بإنطلاق الإجتماعات الثنائيّة بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، بل تشمل أيضاً السجال المتجدد بين "الوطني الحر" و"حركة أمل"، واللقاء الذي تُثار حوله الكثير من الأسئلة بين رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد وقائد الجيش العماد جوزاف عون، حيث ترى أنّ ما تقدم يستوجب السؤال عما يمكن أن تقود إليه هذه الزيارة، إلى جانب البحث في السيناريوهات التي من الممكن أن يتجّه إليها الملف الرئاسي.

من حيث المبدأ، أقصى ما هو منتظر عقد لودريان مجموعة من اللقاءات الثنائية بين الأفرقاء المحليين، لن تقود إلى تبدل في وجهات نظرهم المعروفة مسبقاً، الأمر الذي قد يدفعه إلى إدخال تعديلات على طرحه الحواري، لكن الأساس يبقى أن هؤلاء الأفرقاء ينتظرون لمعطى خارجي أكبر من المبادرة الفرنسية، الأمر الذي قد يكون لدى الجانب القطري، الذي يعتبر أكثر قدرة على تحقيق خرق ما في جدار الأزمة.

أما بالنسبة إلى السيناريوهات المحتملة، توضح المصادر السياسية المتابعة أنه يمكن الحديث عن:

السيناريو الأول: أن تكون هذه الزيارة مقدمة لإطلاق موجة جديدة من اللقاءات والحوارات، تكون مدعومة من قبل باقي أعضاء اللجنة الخماسية، لا سيما تلك التي تملك تأثيراً على بعض قوى المعارضة، على أن تكون النتائج مفتوحة على كافة الإحتمالات، أبرزها الذهاب إلى مرشح تسوية، خصوصاً مع إرتفاع أسهم قائد الجيش.

السيناريو الثاني: تكون هذه الزيارة مقدمة لإطلاق موجة جديدة من الضغوط الخارجية على الأفرقاء المحليين، الأمر الذي لا يمكن فصله عن مجموعة من التطورات التي تشهدها الساحة المحلّية، وهو ما يمكن ربطه بما كان قد ورد في بيان إجتماع اللجنة الخماسيّة الماضي، الذي عقد في العاصمة القطرية الدوحة.

السيناريو الثالث: إستمرار حالة المراوحة القائمة، على قاعدة عدم القدرة على الوصول إلى تفاهمات سياسية، بالإضافة إلى غياب القرار الخارجي بالذهاب إلى تصعيد عالي السقف، من الممكن أن يقود إلى دفع الأفرقاء اللبنانيين إلى تقديم تنازلات، تكون المعبر نحو التسوية الرئاسية.

في المحصّلة، ترى هذه المصادر أنه في الوقت الراهن، قد يكون السيناريو الثاني هو الأقرب إلى الواقع، من دون أن يلغي ذلك إحتمال الجمع بين الثاني والثالث، أي المراوحة التي تسبق إنطلاق الضغوط بعد فترة معينة، من المرجح أن تكون بداية الشهر المقبل، لا سيما إذا ما أصر الأفرقاء المحلّيون على رفض الذهاب إلى السيناريو الأول، أي الذي يقوم على أساس المسار الحواري.