أشار مرجع اقتصادي، في حديث إلى صحيفة "الجمهورية"، تعليقًا على "التأنيب" الذي وجّهه صندوق النقد الدولي الى الطبقة السياسية اللبنانية، لعدم تطبيقها ايّ من الاصلاحات المطلوبة للخروج من الازمة الاقتصادية- المالية التي تعصف بلبنان، بالنقاط التالية:

"1- في مسألة التأنيب، انّ الصندوق على حق، ولكن هذا الكلام لا يرفّ للسياسيين جفن، ولا يمكن ترجمته في مكان.

2- في مسألة شطب الودائع، فإنّ ممثلي الصندوق يستحقون التأنيب، لأنهم يضغطون لمخالفة الدستور اللبناني لا بل نسفه من خلال نسف النظام المالي اللبناني الحر والسطو على الملكية الخاصة التي كفلها الدستور. وهم بذلك في محاولة لإنهاض الدولة، يعفون كل من هدر وسرق واستباح القوانين في صرف اموال الناس من الافلات، وحمّل المودعين وحدهم دفع ثمن كل الارتكابات بدون أي ذنب.

3- في مسألة الكابيتول كونترول، يستحق ممثلو الصندوق ايضاً التأنيب على قصر نظرهم، اذ انّ قانون الكابيتال كونترول كان يجب ان يُسن في الايام الاولى لبداية التمنع عن الدفع جهلاً، وليس اليوم بعدما تم تهريب مليارات الدولارات الى الخارج.

4- انّ شطب الودائع معطوفاً على الكابيتول كونترول هو جريمة موصوفة ليس في حق المودعين فقط، وانما في حق القطاع المالي والمصرفي، لأن الثقة المفقودة اليوم ستنعدم الى عقود من الزمن. وبالتالي، لن يدخل الى لبنان دولار واحد لا للاستثمار ولا للايداع في مصرف، ولن تعود الحركة الاقتصادية الى طبيعتها.

5- في الاساس، لم تعد هناك حاجة للخضوع الى اتفاق قاتل مع صندوق النقل الدولي، الذي سيقرض الدولة اللبنانية ثلاثة مليارات دولار على اربع سنوات، فيما ان القائمين على السلطة بعد الانهيار هَدروا 51 مليار دولار، بحسب أمين عام جمعية المصارف في لبنان، خلال ثلاث سنوات تحت عنوان دعم السلع، وبموجب تعاميم البنك المركزي بردّ القروض على سعر 1500 للدولار، من دون أن يرف لهم جفن، او يدخل أحدهم السجن.

وعود بلا تنفيذ

في المقابل، ركّز المرجع على أنّ "كل القوى السياسية التي شاركت خلال السنوات العشر الماضية في هدر الاموال، تعد المودعين بأنها لن تسمح بشطب جنى اعمارهم، ولكن في الواقع هذه القوى لم تتخذ أي اجراء فعلي يؤكد ذلك، وانما بالعكس وقفت تَتفرّج على بدع التعاميم والهيركات غير القانوني وغير الشرعي للسحوبات الخجولة جداً من المصارف. وهناك من يؤكد انها ستبقى شاهدة زور، حتى تذويب آخر دولار من اموال المودعين، ولو طال الامر عشرين سنة، خاصة ان المودعين مخدّرون ولا حياة لهم".

مؤتمر مصرفي قريباً في بيروت

على الصعيد المالي أيضًا، علمت "الجمهورية" أنّ "اتحاد المصارف العربية سيعلن مساندة المصرف المركزي اللبناني وقيادته الجديدة، عبر عقد مؤتمر مصرفي قريباً في بيروت، سيبدأ التحضير له، ويشارك فيه محافظو المصارف المركزية العربية وصندوق النقد العربي".

وأوضحت أنّ "مشاركة حاكم المصرف المركزي بالانابة وسيم منصوري في اجتماعات صندوق النقد العربي المنعقد حالياً في الجزائر، جاءت لتصبّ في اطار الاهتمام المصرفي العربي بلبنان، والثقة بمنصوري حيث تمّ تخصيص ثلاث اطلالات - كلمات له: الأولى حول تعزيز رَقمنة الخدمات المالية والحفاظ على الاستقرار المالي، الثانية حول اولويات مجموعة العمل المالي وتحديات تطبيق معايير المجموعة في المنطقة العربية، والثالثة حول تداخل وعلاقة السياستين المالية والنقدية".

السلطة تفضّل الـ TVA بدلاً من "ضريبة الثروة"

من جهة ثانية، شدّدت صحيفة "الأخبار" على أنّ "عند كلّ مفترق طرق، تعود "عقلية المحاسب" لتظهر عند أزلام السلطة، ساعيةً لتحقيق إيرادات سريعة. ففي مشروع موازنة 2024، كان التوجّه الأول نحو رفع معدلات الـ"TVA" من 11% إلى 12%. نتيجة هذه الزيادة في عام 2010، أي قبل انفجار الأزمة بنحو عشر سنوات، وردت في دراسة أعدّها الأستاذان في الجامعة الأميركية جاد شعبان ونسرين سلطي في عام 2010 عما سينتجه رفع ضريبة الـ"TVA" إلى 12%، إذ تبيّن أن الإنفاق الاستهلاكي للأسر الفقيرة سينخفض بنسبة 8%، وستتضاعف نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر الأدنى من 3% إلى 6%، وترتفع نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر الأعلى من 28% إلى 31%".

ولفتت إلى أنّه "أما اليوم، فإن زيادة كهذه تُطرح بعدما سجّل الفقر "مستويات تاريخية" على حدّ تعبير صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير عن لبنان، وبعدما بات 37% من المقيمين في لبنان يعانون من صعوبات حادّة في تأمين الغذاء اليومي الأساسي، و54% يصنّفون هشّين وبحاجة إلى مساعدة، كما ورد في تقرير برنامج الغذاء العالمي".

وأوضحت "الأخبار" أنّ "إيرادات ضريبة القيمة المضافة (TVA) بمعدل 11% (المعدل المعمول فيه الآن) تمثّل نحو 32% من الإيرادات الضريبية للخزينة، وهي ضريبة غير مباشرة تُعدّ من الضرائب الأقل عدالة، كونها تصيب المستهلكين الأكثر فقراً وحاجة، وهي بذلك تختلف عن الضرائب المباشرة التي يمكن فرضها مثل الضريبة على الثروة والفوائد".

وذكرت أنّ "طرحًا كهذا، مطلوب من صندوق النقد الدولي الذي يقترح زيادة الضريبة إلى 15%، وهو طرح جاهز دائماً كونه يوفّر إيرادات سريعة يسهل على الخزينة تحصيلها مباشرة على كل شحنة سلع تدخل إلى لبنان، وعلى كل خدمة يحصل عليها المستهلك. أُلغي الطرح هذه المرّة، لكنه سيكون تهديداً سنوياً في كل موازنة".

كما أفادت بأنّ "إلى جانب طروحات كهذه، لا يظهر أي أثر لمشاريع تعديل متصلة بالنظام الضريبي القائم في لبنان، الذي وصفه المدير العام لوزارة المالية السابق آلان بيفاني بأنه "بالٍ ومجزّأ، يقوم فيه المكلّفون الذين لديهم مصادر دخل متعدّدة بتأدية ضرائب بنسبة منخفضة، إذ يشكّل مجموع الضرائب المفروضة على مختلف أنواع الدخل ما نسبته 2.7% من الناتج المحلي، وهي نسبة ضئيلة للغاية".

وأشارت الصّحيفة إلى أنّ "في ظلّ نظام كهذا يحبّذ الضرائب غير المباشرة، ويعفي الأكثر ثراء كلما ازدادت ثروته، تفاقمت اللامساواة، وازداد تركّز الدخل في يد فئة قليلة من المجتمع.

بدوره، أكّد وزير مال سابق لـ"الأخبار"، أن "ضريبة القيمة المضافة ليست عادلة، وأنه اقترح سابقاً إقرار الضريبة على الثروة التي يفترض تطبيقها في الظروف الحالية، ولا سيّما مع التركّز الكبير في الثروة والذي زادت من حدّته الأزمة المالية. لكنّ أركان السلطة رفضوا هذا الطرح، واعتبروه كأنه لم يكن، مع أن تحصيل هذه الضريبة مع الانهيار والإفلاس المصرفي ممكن ومتاح، في ظل إمكانية استخدام تقارير التدقيق الجنائي للاطّلاع على أرقام الثروات".

وأضاف: "كما يمكن الاعتماد على ما يُعرف بـ"العوامل الخارجية". فعلى سبيل المثال، معرفة من هم أصحاب الشقق السكنية في الوسط التجاري، والشاليهات في المناطق السياحية هي أحد مؤشّرات الثروة، كما يمكن للمراقبين في وزارة المالية القيام بزيارات تفقدية لمنازل أصحاب الثروات ومعاينة ممتلكاتهم من منازل وسيارات وعقارات، ولا سيّما من يعتمد منهم على المصارف في الخارج لإخفاء حساباته".