فَجيعَةُ لبنانَ أنَّ مَن فيهِ مُرتَضٍ أن يَكونَ جاليَاتٍ قِوامُها الدَجَلُ تَتَعاطَى مَعَ بَعضِها بالرِياءِ، وَهَذِهِ لَعنَةٌ بِحَقِّ سِرِّ لبنانَ. وَتَتَعاطى مَعَ الخارِجِ بِلَحسِ أيِّ قَفا يَرتَضي التَسَيُّدَ عَلَيها، وَهَذِهِ جَريمَةٌ بِحَقِّ الإنسانِيَّةِ التي مِن لبنانَ. وإذ تَتَلَهَّى ِبتَسافُكِ دِماءِ بَعضِها البَعضِ، تَتَسَتَّرُ خَلفَ ذَريعَةِ: أيِّ لبنانَ نُريدُ؟

لا! لَيسَ لبنانُ رَهينَةَ عَدَمِيَّاتِ تِلكَ الجالِيَاتِ وَمُستَملِكي طَوائِفِيَّاتِها، وَلا رَهنَ إرادَتِها في كَيفِيَّةِ أن يَكونَ أو لا يَكونَ. هوَ لَيسَ بِوجودٍ مَخفَقٍ.

كِينونَةُ لبنانَ المُستَمَدَّةِ مِنَ اللهِ لا تَكتَفي بأنَّهُ أرضُ تَحَقُّقِ اللهِ وَعَمَلِهِ، بَل بِكَونِهِ، مُنذُ المُبتَدأ فَيضَ النِعمَةِ بِوَجهِ الَّلعنَةِ، وَرُكنَ الضَرورَةِ بِوَجهِ الجَريمَةِ. هوَ الكَمالُ بِوَجهِ النَقصِ الإنسانِيِّ الأكثَرَ مأساوِيَّةٍ. وَواقِعِيَّتُهُ، أنَّهُ في بَحثٍ عَن ذَرَّةِ الإرادَةِ الحَسَنَةِ في الإنسانِ. وَيا لِلأَسَفِ! هُنا ذُروَةُ ألَمِهِ، إذ لا يُطالِعهُ مِن داخِلِهِ إلَّا مَن يَحكُمُهُ بإبتِغاءِ نَحرِهِ، أو هَجرِهِ فَريسَةَ دونِيَّاتِهِ: حَفنَةُ مالٍ أو زيفُ مَظهَرِيَّاتٍ. وَلا يُحاكِمُهُ مِن خارِجٍ إلَّا مَن يُغرِقُهُ في الشُكوكِيَّاتِ وإنعِزالِيَّاتِ الظَلامِ.

أفي اليَقظَةِ هوَ لبنانُ؟ بَل هوَ لِليَقظَةِ الفَيضُ. وأيُّ يَقظَةٍ! عَدلُ اللهِ المُتَوَثِّبِ الى أبعَدَ مِمَّا يَلزَمُ. هوَ لبنانُ ال"رُغمَ كُلِّ شَيءٍ" في فَيضِ اللهِ الأكبَرِ لِلإنسانِ، الَذي بِهِ يُتَجاوَزُ عَجزُ الإنسانِ. وَلَيسَ إلَّا بِهِ، لبنانُ، تَساوِيَ العَدلِ والكَمالِ. أفي ذَلِكَ تَناقُضٌ؟ لَيسَ إلَّا في ذَلِكَ يُكشَفُ مَن لِلَعنَتِهِ يَستَوجِبُ إستِحقاقاتِ العَدلِ الحَقِّ، وَمَن لِجَريمَتِهِ يُستَحَقُّ حَقُّ العَدلِ.

هوَ لبنانُ خِصبُ اللهِ اللامُتناهيَ في حُكمِ الأرضِ وأهلِها. وَهَذا حَسمٌ مُلزِمٌ لا يُنابُ عَنهُ، في عُهودِ اللاعَقلِ واللاإيمانِ، إذ بَينَ اللهِ-الخالِقِ والخَليقَةِ-الإنسانِ عَهدُ وِحدَةٍ لا تُفصَمُ عُراها. وِحدَةٌ مٌنطَلَقُها لبنانُ، وَلا يُفقَهُ إجلاؤها إلَّا بِلبنانَ. مِن هُنا، لازَوالُ لبنانَ.

لبنانُ-الصَليبُ يَفتَدي الإنسانَ. وَلبنانُ-المَصلوبُ خَلاصُهُ. في أيِّ أرضٍ كانَ. هَذا الإثباتُ لِ"مَن هوَ لبنانُ" يُوِحِّدُ التَقَبُّلَ بالفِعلِ. وَهُنا نُقطَةُ الفَصلِ الجَذرِيَّةُ بَينَ الرَجاءِ-لبنانَ وَمِطواعِيَّةِ الَّلعنَةِ-الجَريمَةِ، إذ لبنانُ بِدَمِهِ هوَ ال"مِن أجلِ" اللهِ والإنسانِ، فيما المِطواعِيَّةُ صِراعُ ال"ضِدِّ" لبنانَ لِمَجموعَةٍ مُنَظَّمَةٍ لا تَبتَغي بِدَمِهِ إلَّا ذاتَها.

أقُدرَةٌ فائِقَةٌ هَذا اللبنانَ؟ بَل الضَرورَةُ المُطلَقَةُ لِذاتِهِ وَلِلعالَمِ. وَلَقَد ضَلَّ تاريخُ الإنسانِ فَحَطَّمَهُ، لِأَنَّهُ مُذ آدَمَ، كَثُرَ مُماثِلوهُ بِتَكوينِ فِكرَةٍ خاطِئَةٍ عَنِ اللهِ والإنسانِ مَعاً، فَعَصوا لبنانَ وَ...كُلَّ لبنانَ.

الرِباطُ

أجَل! ما سِوى لبنانَ هوَ الرِباطُ-الدَفقُ، لأنَّهُ أرضُ إعتِصامِ اللهِ بالإنسانِ والإنسانُ باللهِ، حَيثُ لا تَربيعَ دائِرَةِ الخَديعَةِ بِوَجهِ بَعضِهِما البَعضِ الى تَفَوُّقٍ، وَلا تَدويرَ مُرَبَّعاتِ الإنقِضاضِ عَلى بَعضِهِما البَعضِ الى تَكَثُّفٍ.

هُنا يَكمُنُ جَوهَرُ مَن هوَ لبنانُ، لا ما هوَ: لبنانُ-الرِباط ُ يُتَوِّجُ الإتمامَ. هوَ تَتمِيمُ وَتَثبيتُ الإيمانِ باللهِ والإنسانِ مَعاً، وَبِبَعضِهِما البَعضِ. في هَذا التَتميمُ-التَثبيتُ، إكتِمالُ صَيرورَةِ لبنانَ إلَهِيَّاً حَقَّاً وإنسانِيَّاً حَقَّاً. قُل: فيهِ، مواجَهَةُ تَلاحُمِ الَّلعنَةِ-الجَريمَةِ، وَنَبذُ تَمَظهُراتِ التِدَيُّنِ المُزَيَّفِ.

قَضيَّةُ لبنانَ مَن هوَ، هيَ رِباطُ الحَيِّزِ الفائِقِ القُدرَةِ، بِوَجهِ خَلائِقَ الَّلعنَةِ-الجَريمَةِ الَذينَ يَحكُمونَ عَلَيهِ بالمَوتِ... لأنَّ ماهِيَّتَهُ تُفقِدُهمُ "صَوابَهُم."

وأنتَ، يا مَن عَرِفتَهُ لبنانَ مَن هوَ، مَن أنتَ؟ أعَبدُ الحاكِمينَ عَلَيهِ بالمَوتِ، لأنَّكَ بِحاجَةٍ لِظُلمِهِم كَي تَشعُرَ أنَّكَ مَعذورٌ؟ أمِّ المُرتَبِطُ بِلبنانَ-الرِباطِ، مُنقِذَكَ مِنَ هَذا العُذرِ؟

هاكَ لبنانُكَ!