على الرغم من كل الحراك الدبلوماسي الذي يسيطر على المشهد اللبناني راهنًا، إلا أن وجهته الأساسية لم تعد الملف الرئاسي، بل البحث في كيفية تجنيب دخول الجبهة الجنوبية على خط المواجهة العسكرية في قطاع غزة، بعد التداعيات التي تركتها عملية "طوفان الأقصى"، خصوصاً بعد التوترات التي كانت قد شهدتها هذه الجبهة في الأسبوع المنصرم.

من حيث المبدأ، هناك تسليم بأن الأوضاع في الجنوب مرتبطة بالتطورات الميدانية في غزة، لناحية المدى الذي من الممكن أن تذهب إليه ​إسرائيل​ في الإجراءات التي تقوم بها، في حين من المرجح أن تبقى الأمور على ما هي عليه اليوم، لناحية الإستمرار في التحركات التي تصب في إطار "إشغال" تل أبيب ومنعها من التفرد بالقطاع، إلى جانب دفعها إلى التفكير أكثر من مرة بحجم الخطوات التي من الممكن أن تقدم عليها.

في هذا السياق، تؤكد مصادر نيابية متابعة، عبر "النشرة"، أنه منذ بداية العمليات العسكرية في الداخل الفلسطيني، لم يسجل أي تحرك أو خرق على مستوى ​الإستحقاق الرئاسي​، حيث لا تزال الأمور على ما كانت عليه قبل ذلك، الأمر الذي يعود بشكل أساسي إلى إنشغال الجهات الخارجية المؤثرة بالأوضاع هناك، وهو ما يتماهى مع بعض المعلومات التي تتحدث عن أنّ حركة الوسطاء، الفرنسيين والقطريين، توقفت إلى ما بعد الإنتهاء من الحرب الدائرة، حيث أفيد عن إبلاغ الموفد الفرنسي ​جان إيف لودريان​ سائليه بأنه لم يلغ زيارته المنتظرة لكنها تأجلت، وهو سيستمر بعمله بعد عودة الهدوء.

بالإضافة إلى ذلك، تلفت المصادر نفسها إلى أن الأفرقاء المحليين دخلوا في مرحلة إنتظار، ترافقه مجموعة من الرهانات التي وضعت على الطاولة، حيث تشير إلى أن الهم الأول لدى معظمهم هو ترقب تداعيات الأوضاع في غزّة على الداخل اللبناني، لا سيما الجبهة الجنوبية، في ظلّ إحتمال دخول "​حزب الله​" على الخط، في حال تطور الأوضاع في القطاع، ربطاً بحجم العملية العسكرية التي ستقوم بها إسرائيل.

إنطلاقاً مما تقدّم، تطرح في بعض الأوساط السّياسية اللبنانيّة الكثير من الأسئلة حول القدرة على تحمل فترة إنتظار طويلة، خصوصاً أنّ التوقعات تشير إلى أنّ العملية العسكريّة في غزة، في حال قررت تل أبيب الذهاب إلى المواجهة البريّة، قد تطول، مع وجود ملفات داخلية تحتاج إلى المتابعة أو الحسم، وهي حكماً لا تستطيع الإنتظار أكثر.

في هذا الإطار، توضح مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، أن هناك بعض الملفات الأساسية التي لا يمكن تجاهلها، أبرزها الواقع المالي والإقتصادي الذي يحتاج إلى إجراءات عمليّة، نظراً إلى أنه لا يمكن الإستمرار في الإعتماد على الخطوات التي يقوم بها ​مصرف لبنان​ فقط، إلى جانب ​ملف النازحين السوريين​ الذي على الأرجح لن يبقى هادئاً في المرحلة المقبلة، بالرغم من تراجع الإهتمام به بسبب التركيز على الأوضاع العسكرية.

بالإضافة إلى ما تقدم، تشير المصادر نفسها إلى أن الملفّ الأكثر أهميّة هو البحث في كيفية الوصول إلى حلّ على مستوى ​قيادة الجيش اللبناني​، على إعتبار أن موعد إنتهاء ولاية قائد الجيش العماد جوزاف عون يقترب مع مرور الوقت، من دون أن تظهر معالم أيّ مخرج من الممكن الوصول إليه، في ظلّ الشغور القائم في رئاسة الأركان، وتشدّد على أنّ الأوضاع لا يمكن أن تستمرّ على ما هي عليه، لا سيما إذا ما كانت التوتّرات في المنطقة، ربطاً بالأوضاع الفلسطينيّة، مرجّحة إلى الإستمرار لفترة طويلة.

في المحصّلة، ترى هذه المصادر أن هذا الواقع، في حال لم تظهر معالم أيّ تسوية على مستوى الأوضاع الإقليميّة في وقت قريب، يتطلّب من الأفرقاء السياسيين البحث عن الخيارات المتاحة، على الأقل بالنسبة إلى مصير قيادة الجيش، في حال كان أمر التسليم بإستمرار الشغور الرئاسي لا بد منه، بسبب الرهانات الموضوعة محلياً، وإنشغال الأفرقاء الخارجيين المؤثرين.