منذ السابع من هذا الشهر، والعالم مأخوذ بما يحصل في غزّة، وبعد الصفعة القويّة التي تلقتها ​اسرائيل​ بعملية "حماس"، كان الردّ الاسرائيلي كارثياً من الناحية الانسانية، علماً انه لم يؤدِّ الى تقليص قدرات "حماس" او التخفيف من حدّة الصواريخ التي تتلقاها المستعمرات، وحتى الاهداف التي تصاب للمرّة الاولى مثل مطار بن غوريون واهداف اخرى في تل ابيب. غير انه، على الرغم من اهميّة ما تشهده اراضي غزّة من سياسة تدمير شامل، تتجه الانظار كلها الى الجبهة اللبنانيّة وسط تساؤلات متكرّرة عمّا اذا كان ​حزب الله​ سيدخل فعلياً في الحرب ام ستقتصر الامور على المناوشات والرسائل الصاروخية المتبادلة! وعلى الرغم من كل ما يقال، لا يمكن لاحد ان ينكر أنّ الحزب اكتسب اهميّة كبيرة في الميدان، وبات على كل شفة ولسان من الرئيس الاميركي ​جو بايدن​ وكبار المسؤولين الاميركيين، الى الرئيس الفرنسي ​ايمانويل ماكرون​ والزعماء الاوروبيين، وصولاً الى الدول العربيّة، من دون ان ننسى المعني الاول بالموضوع أي المسؤولين الاسرائيليين الذين لا يتركون فرصة إلاّ ويحذّرون فيها من ان دخول الحزب في المعركة يعني عقاب كل لبنان.

السؤال الكبير المطروح اليوم هو: هل سيدخل الحزب في الحرب ام لا؟ لا يمكن الادّعاء بامتلاك الجواب الشافي على هذا السؤال، إنّما من خلال ما يمكن تجميعه من معلومات، وما يقال في السرّ والعلن، وما يدور على الساحتين الاقليمية والدولية، يبدو ان نسبة مخاطر الدخول في الحرب تتراجع بعض الشيء، بعد ان كانت متقدّمة بشكل كبير منذ ايام قليلة فقط. وما يدعو الى هذا الاستنتاج هو التالي:

-لم تعد فترة السماح التي اعطيت لاسرائيل لاستعمال ما تشاء من اسلحة واستباحة ما تريد في غزة، مفتوحة. لا بل بدأت تتقلص لأنّه مضى اكثر من 10 ايام على العملية التي نفذتها "حماس" واطلقت اسرائيل العنان لكل آلتها الاجراميّة من دون ان تحقّق أيّ اهداف ملموسة على الارض. حجم الدمار في غزة لا يمكن تصوره، الخسائر البشرية بلغت ارقاماً كبيرة جداً، الوضع الانساني اصبح لا يطاق، ومع ذلك لم تبدأ أيّ عملية غزو بريّ ولم تتراجع "حماس" عن حماسها لضرب صواريخها والابقاء على تهديدها حياً، ما يعني ان هذه الفترة التي اعطيت لاسرائيل باتت تشكل عبئاً عليها وعلى حلفائها الذين أمّنوا لها الغطاء.

-استعملت الولايات المتحدة الاميركية كل ما تملك من نفوذ وعوامل "الترهيب والترغيب" لابقاء الحزب خارج الحرب، وتواصلت لذلك مع ايران، على غرار كل الدول الاخرى لتأمين مطلبها، وما الجولات المكوكية التي قام بها وزير الخارجية الاميركي انطوني بلينكن، وترقّب وصول بايدن شخصياً الى اسرائيل سوى دليل على الضلوع الاميركي الكبير بالحرب الدبلوماسيّة الدائرة والمساعي الحثيثة لمنع اشتعال الجبهة الجنوبيّة للبنان.

-وصول الموفدين الى المنطقة بشكل متكرر من شأنه تأمين عدم حصول مفاجآت غير سارّة على خط تمدّد الحرب وتوسيعها، على الرغم من التهديدات المباشرة التي يطلقها وزير الخارجية الايراني ​حسين امير عبد اللهيان​ حول ضرورة انهاء الاعتداءات على غزة وإلاّ... كما ان الاعلان عن عقد مؤتمر اقليمي-دولي في ​مصر​ في 21 من الشهر الحالي لبحث الوضع، هو الاثبات الكافي أنّ الدبلوماسية في طريقها الى أخذ المبادرة من العسكريين.

-تنامي الحوادث الامنيّة العرقيّة والمتنقلة في ​اوروبا​ والولايات المتحدة، بدأت تلقي بظلالها في القارتين واشاعت اجواء من القلق والخوف من تناميها ووصولها الى نسب اكبر بكثير طالما انّ الحرب مستمرة.

-الحديث عن فتح ممرّ انساني لتأمين وصول المواد الاساسية للمدنيين في غزة، اصبح اكثر من ضرورة لان الرأي العام بدأ يضغط ولم يعد لا الاميركي ولا الاوروبي ولا غيرهما، الافق الذي يجب ان تتوقف عنده هذه المجزرة، مع المشاهد المروّعة التي ترافقها.

اضافة الى كل ذلك، فإنّ لبنان ليس غزّة، لا من الناحية العسكريّة ولا من الناحية المعنويّة ولا من الناحية العمليّة، فلا يزال هناك خزّان كبير من النازحين واللاجئين فيه، كما أنّ له مكانة لا يمكن تجاوزها في العالم، ناهيك عن الخطر الحقيقي الذي سيشكّله حزب الله على الاسرائيليين الذين تحوّل خوفهم من نقله المعركة الى الداخل الاسرائيلي، واقعاً ملموساً بعد عملية "حماس".

هذا ما تقوله الوقائع والمعلومات، اما ما يمكن ان يحصل، فلا يمكن لأحد أن يتنبّأ به، ولكن طالما ان اميركا وايران يلجمان الاسرائيليين والحزب، فإنّ ما قاله الوزير الاسرائيلي يوآف غالانت هو الذي سيسود : "إن لجمتم أنفسكم فنحن سنفعل ذلك أيضاً".