اُدرِكُهُ لبنان بإيمانِ الله بِهِ، فأَلمُسُ فِعلَهُ في الحُرِيَّةِ وَبِها وَلَها.

حُلمُ اللهِ أن يَتَأنسَنَ الإنسانُ بِهِ. كانَ لَهُ. فإفتَدى الإنسانَ بِتَأنسُنِهِ. هَكَذا لبنانُ. حينَ فَراعِنَةُ مِصرَ، وَمُلَيكِيُّو بابِلَ وإسرائيلَ، وأباطِرَةُ روما وَتَوابِعُهُمُ في كُلِّ زَمانٍ وَمَكانٍ، تَألَّهُوا، هوَ المَخلوقُ مِن كَفافِ اللهِ مَضَى قُدُماً في التَأنسُنِ. بِأبكارِ بَنيهِ إفتَدى عَوَزَ الخَليقَةِ لِلخالِقِ-الحَقيقَةِ، فَكَرَّسَ الفِداءَ فِعلَ ذُروَةِ حُرِيَّةِ الإنسانِ-الهَيكَلِ.

هُمُ أدلَجوا الإيمانَ، وَغَنِموا الدينَ، وإستَعبَدوا اللهَ-الحقَّ في تألُّهِهِمِ. شَطَبوهُ، وإستَباحوا التأنسُنَ بِفَحشاءِ التَوَحُّشِ. هَذا يَستَوليَ على أرضٍ، وَذاكَ يَقضيَ على شَعبٍ. وَكِلاهُما بالإبادَةِ يَستَكبِرانِ.

وَهوَ، مُنذُ فَجرِ الخَليقَةِ، ما كانَ إلَّا... جُذورَ الميعادِ-العُمُقِ والمَوعِدِ-العُلوِّ.

هاكَ اللهُ يُكَلِّمُ إبراهيمَ، أبَ المؤمِنينَ: "إنطَلِق مِن أرضِكَ وَعَشيرَتِكَ وَبَيتِ أبيكَ، إلى الأرضِ الَتي أُريكَ. وأنا أجعَلُكَ أُمَّة كَبيرَةً (...). والكَنعانِيُّونَ حِينَئِذٍ في الأرضِ". (سِفرُ التَكوينِ 12/1-6).

في تِلكَ الأرضِ، الكَنعانِيُّونَ-الُلبنانِيُّونَ.

عَلَيها إستَولَى إبراهيمُ، وَنَسَبَ مُليَكِيُّو إسرائيلَ الإستيلاءَ لِوَعدٍ إلَهيٍّ... طَمِعَ موسى بإستِكمالِهِ بِترانسفير: "دَعني أعبُرُ (...)، وأرى هَذا الجَبَلَ الطَيِّبَ لبنانَ." (تَثنِيَةُ الإشتِراعِ 3/25). فَكانَ رَدُّ اللهِ قاطِعاً: "أنتَ تَرى عَن بُعدُ تِلكَ الأرضَ (...)، وَلَكِنَّكَ لا تَدخُلها" (تَثنِيَةُ الإشتِراعِ 32/52). "قَد أرَيتُكَ إيَّاها بِعَينَيكَ، وَلَكِنَّكَ إلى هُناكَ لا تَعبُر". (تَثنِيَةُ الإشتِراعِ 34/4).

وَكانَ المَسيحُ-الطَريقُ لِلتَألُّهِ-باللهِ، لِلتَأنسُنِ-بِلبنانَ، أشَدَّ قَطعاً. صَرَخَ بِبَني إسرائِيلَ، وَأدانَهُمُ: "كُلُّ غَرسٍ لَم يَغرُسهُ أبي السَماوِيُّ يُقلَعُ. (...). إنَّهم عُميانٌ يَقودونَ عُمياناً. وإذا كانَ الأعمى يَقودُ الأعمى، سَقَطَ كِلاهُما في هوَّةٍ" (متَّى 15/ 13-14). وَلِلتَوِّ، قَصَدَ لبنانَ، وإمتَحَن إمرأةً لُبنانِيَّةً. بِرَهبَةِ العَصفِ: "لَم أُرسَل إلَّا إلى الخِرافِ الضالَّةِ مِن بَيت إسرائيلَ. (...). لا يُحسَنُ أن يُؤخَذَ خُبزُ البَنينِ فَيُلقى إلى صِغارِ الكِلابِ". (متَّى 15/24-26). جابَهَتهُ بِتَوكيدِ هوِيَّتَها-الدَعوَةَ: "أغِثني يا رَبُّ"! (...). أجَل، يا رَبُّ! فَصِغارُ الكِلابِ نَفسُها تأكُلُ مِنَ الفُتاتِ المُتُساقِطِ عَن مَوائِدَ أصحابِها" (متَّى 15/ 25. 27).

هيَ التي مِن لبنانَ تَعرِفُ مَن هوَ: "رُحماكَ يا رَبُّ! يا إبنَ داودَ، إنَّ إبنَتي يَتَخَبَّطُها الشَيطانُ." (متَّى 15/22). وَهوَ، أرادَ التَحَقُّقَ مِن خَفَقانِ لُبنانِيَّتِها. لا! لَم يُجَرِّب إيمانَها الدينيَّ. بِقَسوَةِ المُتَلَهِّفِ، قَصَدَ إلتِزامَها كَفاف لُبنانِيَّةَ لبنانَ-الميعادِ-المَوعِدِ. أثَابِتٌ بِوَجهِ زَحفِ فَحشاءِ التَوَحُّشِ؟ أبَصيرٌ، لَمَّا يَزَل؟ وَلَمَّا تأكَّدَ مِن لَهيبِهِ الثُلاثِيِّ فيها، إطمأنَّ: "ما أعظَمَ إيمانَكِ أيَّتُها المَرأةُ، فَليَكُن لَكِ ما تُريدينَ" (متَّى 15/28).

هوَ المَسيحُ يُعَظِّمُ الإيمانَ بلبنانيَّةٍ تُحَرِّرُ اللهَ مِمَّن إستَعبَدَهُ، وَتَخلَعُ عَن مُستَعبِديهِ حُجُبَ التَسَتُّرِ المُلَطَّخَةِ بِدمائِهِ الإنسانِيَّةِ التي أزهَقوها وَما شَبِعوا.

الأُغرودَةُ المُشرَّعَةُ

الآنَ، يُدرَكُ، لِمَ قَصَدَ المَسيحُ لبنانَ، بَعدَ صُراخِهِ بِبَني إسرائيلَ، الراصِدينَ عُريَ الفَراعِنَةِ والمُلَيكِيِّينَ والأباطِرَةَ ليُسَربِلوا عَماهُم بِنيرِ الظُلمِ. لا إلَّا لِيَتأكَّدَ أنَّ لبنانَ-الحُرَّ-أبداً، حينَ تَشتَدُّ مِحَنُ أهلِ الأرضِ راسِخٌ أُغرودَةَ اللهِ المُشَرَّعَةِ لِتأنسُنِ الإنسانِ فيهِ. إذ في غَلَبَتِهِ هَذِهِ، تَنهَزِمُ في أسفَلِ دُركاتِ الفَناءِ عَلائِقُ الظُلمِ-الشَيطانِ، ويَنكَسِرُ طُغيانُ راصِديهِ: إسرائيلِيُّو وَمُتأسريلِيُّو كُلَّ مَكانٍ وَزَمانٍ.

ألَيسَ اللهُ القائِلُ: "وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا. فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مفْعُولا" (سورَةُ الإسراءِ 4-5)؟