منذ أشهر، تُطرح الكثير من الأسئلة حول طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة وفرنسا على الساحة اللبنانية، حيث تدور العديد من الروايات المتناقضة حول هذا الأمر، بعد أن كان يسود إعتقاد بأن واشنطن كانت قد أوكلت باريس، منذ عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، مهمة متابعة الملف اللبناني، وهو ما ظهر بشكل واضح بعد انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب من العام 2020.

إنطلاقاً من ذلك، كانت فرنسا هي اللاعب الأساسي، مع دخول البلاد مرحلة الشغور الرئاسي، حيث تولت طرح مبادرة لم تنجح في التسويق لها، بسبب الفيتوات الداخلية والخارجية التي رفعت في وجهها، قبل أن تقود التطورات العسكرية على مستوى الجبهة الجنوبية إلى تحول إضافي، تمثل في ظهور الإهتمام الأميركي بما هو أبعد من تسوية سياسية، بسبب إرتباط الأمر بأمن إسرائيل.

في هذا الإطار، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنه حتى في عهد الرئيس الأميركي جو بايدن كان هناك تعاون بين الجانبين الفرنسي والأميركي، تمثل في مشاركة باريس في التسوية التي تم التوصل إليها في ملف الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، لكنها توضح أن ذلك لم يكن يعني، بأي شكل من الأشكال، أن واشنطن تترك الساحة لباريس، نظراً إلى أن لديها مصالح لا يمكن أن تتخلى عنها.

بناء على ما تقدم، تلفت المصادر نفسها إلى أن واشنطن لم تكن راضية عن طرح المقايضة، الذي كانت تسوق له باريس في الفترة الماضية، وهو ما دفعها إلى أن تكون لاعباً أساسياً على مستوى العرقلة، قبل أن تظهر، في وقت لاحق، الرسائل التي تصب في إطار أنها ترفض أن يكون هناك متحدثاً أو ممثلاً للجنة الخماسية، التي تضم أميركا وفرنسا والسعودية وقطر ومصر، في إشارة إلى المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان.

بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وجنوب لبنان، ظهرت العديد من المؤشرات حول الخلاف أو التباين في وجهات النظر بين الجانبين، بحسب ما تؤكد هذه المصادر، بالرغم من أن فرنسا لم تبتعد عن المسار الأميركي الذي يصب في تأمين مصالح إسرائيل، لكن في المطلق كان من الواضح أن لدى كل منهما مساراً خاصاً يعمل عليه، ما دفع إلى تصاعد التسريبات التي تتحدث عن خلافات بينهما على هذا الصعيد.

في الفترة الماضية، ظهرت مؤشرات تصب في إطار أن واشنطن وباريس في طور العودة إلى التنسيق، بدءا من الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسيّة أنتوني بلينكن إلى باريس، وتلك التي قام بها لودريان إلى واشنطن، حيث اجتمع مع المستشار الأميركي المكلف بالملف اللبناني عاموس هوكشتاين، في حين كان سفراء الخماسية ينشطون على خط البحث في إمكانية تحريك الملف الرئاسي من جديد.

بناء على ما تقدم، تقرأ مصادر نيابية، عبر "النشرة"، عودة الإهتمام الفرنسي بالملف المحلي، من خلال الزيارة التي قام بها كل من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزاف عون إلى باريس في الأسبوع الماضي، في وقت كان البعض يتحدث عن تقدم في الموقف الأميركي، يتعلق بمساعي البحث عن إنجاز تسوية في لبنان، عند الوصول إلى إتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، من الطبيعي أن ينعكس على الجبهة الجنوبية.

وتوضح هذه المصادر أنه حتى أيام قليلة كان هناك تسليم، من الجانب الأميركي، بأن من الصعب الوصول إلى أي تسوية في لبنان، قبل إنتهاء الحرب في غزّة، وهو ما كان يدفع إلى التشديد بأن هوكشتاين ينتظر التسوية هناك، للتقدم بطرح يتعلق بالساحة المحلية، إلا أن عودة الحديث عن الطرح الفرنسي دفعت إلى السؤال حول ما إذا كان هذا الأمر منسقاً بين الجانبين أم لا، خصوصاً أن باريس تتبنى خيار الفصل بين الجبهات.

في المحصلة، تعتبر هذه المصادر أن التنسيق بين الجانبين من الممكن أن يعني أن هناك تطورات إيجابية على هذا الصعيد، بينما إستمرار التحرك الفرنسي المنفرد سينعكس فشلاً إضافياً لباريس، خصوصاً أن غالبية الأفرقاء اللبنانيين ينتظرون التحرك الأميركي، الذي يربط بين الملفين السياسي والعسكري، بالرغم من النفي المتكرر لهذا الأمر.