في تموز من العام 2006، خلال الحرب، استهدف العدو الاسرائيلي صهاريج التخزين في محطة الطاقة الحرارية في منطقة الجية، فحصل تسريب للنفط قدِّر بما لا يقل عن 15 ألف متر مكعب، إنتشرت في مياه البحر مكوّنةً بقعة نفطية بلغت كثافتها 40 سم، وامتدت بعمق البحر مسافة تصل إلى 30 كلم، فقتلت الحياة البحرية ولوثت الشاطىء والمياه، فهذا العدو لا يتوانى عن ارتكاب المجازر، البشرية، والبيئية، وهو مستمر في ذلك اليوم من خلال قصف القرى الحدودية بقذائف الفوفسفور الأبيض.

بحسب منظمة "ماغ" الإنسانية لنزع الألغاء فإن الفوفسفور الأبيض هو مركب كيميائي يُستخدم في الذخائر الخارقة، حيث يشتعل ويحترق تلقائياً عند تعرضه للهواء. ما يحصل في الجنوب هو استخدام اسرائيل لهذا النوع من القذائف لإحراق الأحراج والبساتين، وزرع الشر في أنحاء البلدات اللبنانية، علماً أن هذا المركب يشكل خطراً على الإنسان أيضاً وبشكل مباشر، فهذه القنابل هي عبارة عن مادة سامة شمعية تتفاعل مع الأوكسيجين بسرعة وتتسبب بحروق من الدرجة الثانية والثالثة، كما أنها تدخل الجلد بسهولة وتؤدي الى أضرار في القلب والكلى والكبد، وتؤدي الى الوفاة.

لا تنتهي أضرار الفوفسفور الأبيض هنا، فهو يؤذي القصبة الهوائي والرئتين بحال استنشاقه، ولو لفترة قصيرة، كما يؤذي الحياة في الطبيعة، إذ يترسب الفوسفور الأبيض في التربة أو في أعماق الأنهار والبحار وعلى الكائنات البحرية مثل الأسماك.

يحرّم القانون الدولي عبر اتفاقية جنيف عام 1980 استخدام الفوسفور الأبيض ضد السكان المدنيين أو حتى ضد الأعداء في المناطق التي يقطنها مدنيون، وتعتبر استخدامه جريمة حرب، إلا أن ذلك لا يردع الأسرائيليين، لم يفعل ذلك سابقاً ولن يفعل ذلك الآن.

نشرت منظمة "ماغ" بعض النصائح لأبناء القرى الحدودية الصامدين في قراهم، منها أنه عند التعرض للدخان بشكل مباشر يجب الإبتعاد قدر الإمكان والتوجه بعكس اتجاه الريح لمنطقة آمنة، مع وضع قطعة قماش مبللة على الأنف والفم للتنفس، وعند الوصول الى مكان آمن خارج المنطقة المستهدفة المطلوب خلع الملابس ورمي الكمامات المستخدمة وغسل الجسم بالماء، كما أنه عند التعرض للفوفسفور الأبيض بشكل مباشر يجب العمل على إزالة قطع الفوفسفور العالقة على الجلد، وغسل مكان الإصابة بالماء لوقت طويل.

أضرار الفوسفور المستخدم في لبنان باتت كبيرة، إذ وقع بحسب معلومات "النشرة" ما يزيد عن 150 حريقاً في المناطق الحدودية بسبب استخدام هذه القذائف المحرمة دولياً، وبحسب وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين، فإن "نحو 6.4 مليون متر مربّع (462 هكتارًا) حرقتها ​قذائف​ العدو الإسرائيلي وأسلحته الفوسفوريّة على البلدات الحدوديّة في جنوب ‎لبنان حتّى اليوم"، وبحسب وزير الزراعة عباس الحاج حسن، فإن ما أحرقته اسرائيل من أشجار زيتون في الجنوب يصل الى 40 ألف شجرة، منها أشجار معمرة.

لذلك تحركت الحكومة اللبنانية، حيث أشار ياسين​، في حديث لـ"النشرة"، إلى أنّ "​لبنان​ سيتقدّم بشكوى موثّقة ضدّ ​سياسة​ الأرض المحروقة واستخدام الفوسفور الّتي ينتهجها العدو الإسرائيلي"، علماً أن "الشر المطلق" لا يُنتج خيراً ولا يُتوقع منه سوى الشر، وما عاناه اللبنانيون بعد حرب تموز من تداعيات للمواد السامة المستخدمة لم ينته بعد، فلم يسلم البشر من امراض السرطان المنتشرة بكثرة، ولم تسلم الاشجار أيضاً، حيث تلفقت نباتات "الصبار" في مناطق جنوبية عدة بعد الحرب بسبب تسممها.