لا شعبَ مُختارٌ، وَلا إخراجَ خَيرُ أُمَّةٍ، مهما إستَطابَ لِهَذا مِن إدِّعاءِ إفتِراءٍ يُقيسُهُ لِنَفسِهِ فَيَتَلَبَّسُهُ عُنوَةً أو تَحايُلاً، وَلِذاكَ مِن تُرَّهاتٍ يَنسُجُها مِن أسفَل الى أسفَل لِيَستُرَ عَوراتِهِ. وَكُلُّ إفتِراءِ تُرَّهاتٍ إدانَةٌ لِصاحِبِهِ.

لا شَعبَ وَلا أُمَّةَ، بَل وَطَنٌ أمَّوِيٌّ أحَدٌ، وَطَنٌ مُصطَفى، خَلَقَهُ مِن قِمَمِ سَحابٍ وَسَهلٍ رابٍطٍ. بِهِ تَكَنَّى. بالشَوكِ تَكَلَّلَ. وَما مِن مَجدٍ أرادَهُ لِنَفسِهِ إلَّاهُ. لا إلَّاهُ مِنَ اللِه. وباللهِ، لا يَليقُ إلَّاهُ.

لبنانُ.

هوَ الَذي إلى أقاصِيَ المَسكونَةِ دَعوَتُهُ، والى الجَحيمِ إنحَدَرَ لِيُقيمَ الراقِدينِ مِن ظُلُماتِ خَياراتِهِمِ، هَتَفَت عَنهُ النُبؤاتُ وَمِنهُ: "مَجدُ لبنانَ إليكَ يَأتي. السَرو والسِندِيانُ والشَربينُ مَعاً لِزينَةِ مَكانِ قُدسي وَأُمَجِّدُ مَوطِئَ قَدَمَيَّ (...). يَكونُ شَعبُكَ كُلَّهُ أبراراً وَلِلأَبَدِ يَرِثُ الأرضَ. هوَ فَرعُ غَرسي وَعَمَلُ يَدَيَّ وَبِهِ أتَمَجَّدُ. القَليلُ يَصيرً ألفاً والصَغيرُ يَصيرُ أُمَّةً عَظيمَةً. أنا الرَبُّ أُعَجِّلُ ذَلِكَ في ميقاتِهِ" (أشِعيا 60/13. 21-22).

أجَل! ذاتُ اللهِ الإلَهِيَّةُ لا تَتَمَظهَرُ مَقدِساً وَبَيتَ مَقدِسٍ، المَذبَحَ والذَبيحَةَ، الحَياةَ وإنتِصارَها إلَّا بِهِ وَفيهِ.

لبنانُ.

فيهِ، عَلى الطَريقِ بَينَ صورَ وَصَيدا، جَعَلَ "ألأَصَمَّ مَعقودَ الِّلسانِ"، غَرسُهُ، يَسمَعُ وَيَنطِقُ، صارِخاً لَهً بالآرامِيَّةِ-الَلبنانِيَّةِ: "إيفاتَّا" أيَّ إنفَتِح. (مَرقُس 7/31-35). فيهِ، حَرَّرَ الإنسانَ مِن أنعِزالِيَّتِهِ في وِحشَةِ الظُلمَةِ وَغُربَةِ الظَلامِيَّاتِ المَسكوتِ عَنها.

أجَل! مِن دونِ لبنانَ، اللهُ وجودٌ. فيهِ وَبِهِ، هوَ الوجودُ والجَوهَرُ. الشَغَفُ وَذُروَتُهُ.

لبنانُ.

فيهِ، سِدرَةُ المُنتَهى بِرائِحَتِها الزَكِيَّةِ وَعِندَها عِلمُ الأنبِياءِ يَنتَهي. وَهوَ حامِلُ العَرشَ يَومَ القِيامَةِ. (حَديثٌ شَريفٌ). ألَيسَ مِن خَشَبِ شَجَرِهِ بَنى نوحُ سَفينَتَهُ لِيُواجِهَ بِها الطوفانَ؟.

أجَل! أُمَّوِيَّةُ الكَونِ : ميراثُ ما يُرى وَما لا يُرى، ما يُدرَكُ وَما لا يُدرَكُ. هَذا الوَطَنُ المُصطَفاهُ اللهُ. وَلَيسَ الى إنكِسارٍ.

تَرميمُ الأزمِنَةِ المَجروحَةِ

لبنانُ-المُصطَفى. لِلإيمانِ، لِليَقينِ. هُوِيَّةُ الزَهوِ بالتَأبُّدِ. هُوِيَّةُ التَوَثُّبِ بالتِأزُّلِ.

أهوَ، فَوقَ مَدارِكِ العَقلِ، إضطِرامُ المُكوثِ مَعَ العالَمِ؟ بَل عَهدٌ لِلعالَمِ لِتَرميمِ أزمِنَتِهِ المَجروحَةِ بأُولَئِكَ الَذينَ بَعدَما تَفانوا في إفنَاءِ اللهِ، بإسمِهِ، إنصَرَفوا، بإسمِهِ، لِلتَفاني في إفناءِ بَعضِهِمِ البَعضَ. هَذا يُهَدِّدُ بِهارماغيدون، وَذاكَ يُمَهِّدُ لِهولوكوست. هَذا يَستَمطِرُ عَناقيدَ غَضَبٍ، وَذاكَ يَتَلذَّذُ بِنُبوءَةِ العَقدِ الثامِنَ التَلمودِيَّةِ. هَذا يُبيدُ، وَذاكَ يَستَبيدُ.

أبِعالَمٍ مَهجوسٍ بِنِهاياتِهِ، قِيَامَةٌ؟ أيَومُ القِيَامَةِ يَومُ مَوتٍ أم أنتِصارُ الحَياةِ عَلى أشكالِ المَوتِ؟.

لبنانُ-المُصطَفى. في دَيمومَتِهِ وَمِنها إكتِمالُ إنسانِيَّةِ الإنسانِيَّةِ في اللهِ، لا ضَربَهُما بِبَعضِهما البَعضِ لِإزالَتِهِما مَعاً.

تِلكَ هيَ القِيامَةُ: أُمَّوِيَّةٌ في أُمَّوِيَّةِ اللهِ. لا إلَّا لبنانَ مُكَرِّسُها. لا إلَّا لبنانَ حَقيقَتُها. في العالَمينَ. هيَ سِرُّهُ الَذي يَفتَحُ إقتِدارَ الماوَراءِ مِن حاضِرِ الأزمِنَةِ الى ما بَعدَ بَعدِها. يُبَلسِمُها. في أكثَرِ الأزمِنَةِ عُزلَةً وَتَعَثُّراً وَإخفاقاً... مَهما تَعالَت أبواقُ المَوتِ جَهيرَةً، وَمَهما كانَ النافِخونَ فيها رَحَّالو نِهاياتٍ عَواهِنَ، وَناشِدو إفناءٍ مُنصاعٍ.

لا مِن خَوائِهِمِ وَعدٌ، وَلا مِن لامَحدودِيَّتِهِمِ عَهدٌ. في يَقظَةِ لبنانَ تُبادُ لَعنَتَهُمُ. هوَ الراقيُ الى القِمَمِ الَتي أوجَدَتهُ، يَراهُمُ مِن عَلُ. والوَهَّابُ بالقَيُّومِ الَذي خَلَقَهُ، غَمرَ آفاقٍ إصطَفاهُ، إذ هُمُ عَويلُ النَفيرِ بالمَوتِ حُجَّتُهُمُ.

هوَ المُدرِكُ هُوَّةَ عُزلَتِهِمِ، مِنهُ خَلاصُهُمُ.

هوَ المُنتَفِضُ على أسرارِ عُنفِهٍمِ، فيهِ تَحريرُهُمُ مِن ذَواتِهِمِ.

هوَ الواقِفُ بِوَجهِهِمِ، بِهِ النَبضُ المُحييهِمِ مِنَ تَحَلُّلِهِمِ.