«عطيَّة الله – هدية الله[1]» هذا معنى اسم متَّى[2] الإنجيليّ باللغة العبريَّة إذ هو مؤلَّف من فعل العطاء أو هديّة واسم يهوه.

كان يجبي الضرائب لصالح الرومان. اصطاده يسوع وجعل منه صيَّادًا للبشر. وقد أقام للربِّ وليمة في منزله داعيًا إليها عشَّارين وخطأة لعلَّهم يتركون كلَّ شيء مثله ويتبعون المخلِّص. هذا كلُّه ما كان ليتحقَّق ما لم يفتح متَّى قلبه ليسوع ليدخل إليه، وتناوَلَ متَّى من مائدة يسوع الأبديَّة الخلاصيَّة.

الفرِّيسيُّون الناظرون من الخارج امتعضوا، وقالوا لتلاميذ يسوع معترضين: «لماذا يأكل معلِّمكم مع العشَّارين والخُطاة؟» فلمَّا سمع يسوع قال لهم: «لا يحتاج الأصحَّاء إلى طبيب بل المرضى» (متَّى 9: 8-9).

هذه حالة مستمرَّة نعيشها كلَّ يوم. تاب متَّى توبة صادقة، وأصبح الربُّ يسوع المسيح كلَّ عشقه. فانتقل من جباية الضرائب إلى جباية النفوس ليعبر بهم من الأرض الزائلة إلى الملكوت الباقي، ويدوّن أسماءَهم في سفر الحياة الأبديّة.

كان متى خاضعًا لسلطة زمنيَّة قاهرة ومستبدَّة وظالمة، وكان هو أيضًا شريكًا في الاستبداد والظلم، أما مع يسوع فأصبح خليقة جديدة مليئة بالعطاء وهداية الآخرين.

أمام عبور متى القياميِّ، هناك من بقي في الضفَّة الترابيَّة والسفليّة، لا بل الأسوأ أنَّه اعتبر نفسه بارًّا، ودان المسيح لدخوله منزل عشّار، ولم يدرك أنَّه هو المريض، وما زال قابعًا تحت عبادة ذاته وتأليه نفسه، واعتبر أنَّ مقامه يجعله إنسانًا صحيحًا ومستقيمًا، ضاربًا بعرض الحائط أن مقامه يدينه هو، لأن من له الكثير يُطلب منه الكثير.

فالروح الَّذي هبَّ في قلب متَّى ونقلَهُ إلى ضفة المنتصرين بالربِّ، أغرق فرعون الخطايا عنده كما نقول في ليتورجيَّتنا الَّتي تدعونا إلى أن نقف بجانب موسى الَّذي بعد عبوره البحر الأحمر مع الشعب، هتف وهلَّل: «الربُّ قوَّتي ونشيدي، وقد صار خلاصي. هذا إلهي فأمجِّدُه، إله أبي فأُرفِّعُه» (خروج 15: 2).

قيامة متَّى نموذج لنا لكي نحذو حذوه، ولا نقبع مستسلمين لمغريات هذا الدهر الفاني، بل نكون أيقونة برَّاقة كأيقونة متَّى الإنجيليِّ.

ايقونغرافيًّا، نشاهده ممسكًا بالإنجيل لأنّه كاتب إنجيل، وفي أيقونات أخرى يخط الإنجيل، ليقول لنا أن كلام الربِّ دستورنا ومنهج حياتنا ونور لسبيلنا.

يرتدي فوق ثيابه رداء himation/ἱμάτιον ، وهو قطعة قماش معروفة في الحضارة الهلِّينيَّة تعطي دفئًا للجسم وتحميه من الطقس.

لنتوقّف لحظة هنا، فكلُّ شيء في الأيقونة يأخذ بُعدًا إلهيًّا أبعد وأعمق من المنظور Au-delà، فالحامي عندنا هي النعمة الإلهيَّة، وهو المسيح.

هذا ما يقوله كتابنا المقدّس: «الْبَسُوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تَثبُتوا ضدَّ مكايد إبليس» (أفسس 6: 11). وهذا ما ننشده في مزاميرنا ونصلِّيه في صلاة نصف الليل: «سِتْرِي ومِجَنِّي أنتَ. كلامَك انتظرْتُ» (مزمور 119: 114).

أدرك متَّى أنَّ المخلِّص هو ستره الوحيد، وهو درعه المنيع الَّذي يصدُّ به سهام الشرِّير، فرتَّل مع داود النبيِّ: «تُرسي عند الله مخلِّص مستقيمي القلوب» (مزمور 7: 10). الإنجيليُّ خلص بطاعته لكلام الربِّ والعمل بها، ويدعونا لنقرأ الإنجيل ونحيا بموجبه، فنستقيم.

ملامح وجهه واضحة ورصينة Sobre، ومتّزنة وعفيفة ورزينة. هكذا هي الوجوه في الأيقونة، لأنَّها استنارت بنور الربِّ وتألَّهت. لديه لحية بيضاء طويلة ومموَّجة وشعر قصير.

يُرمَز إلى الإنجيليِّ متَّى بالإنسان – الملاك، ونراه أحيانًا مُصَوَّرًا معه في الأيقونة. هذا التشبيه يأتي من العهدين القديم والجديد، وله معانٍ لاهوتيَّة مهمَّة. إذ نقرأ عند حزقيَّال النبيِّ في الإصحاح الأوَّل منه، وفي سفر الرؤيا (رؤيا 4: 8) عن مخلوقات أربعة لها رموز: ملاك-إنسان، ونسر، وأسد، وثور.

وقد طبَّق القدِّيس إيريناوس أسقف ليون (١١٥-٢٠٢م) هذه الرموز على كلٍّ من الإنجيليِّين الأربعة[3] بحسب خصائص كلِّ إنجيل منهم. فرُمِزَ إلى متَّى الإنجيليِّ بالإنسان الَّذي اجتهد في إعلان نسب العذراء مريم، والَّتي أخذ منها الربُّ جسدًا، كما أنَّ يسوع يظهر في إنجيل متى صديقًا للإنسان المحتاج إلى الخلاص، وكملاك يرافقه ولا يتركه.

خلاصةً، افتَتَحَ الإنجيليُّ متَّى إنجيله بإعلان خلاصيٍّ، شكَّل فرحًا للمنتظرين خلاص الرب، لكنّه أيضًا شكَّل صدمة للفرِّيسيِّين المتكبِّرين، إذ كتب: «كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن ابراهيم» (متَّى 1: 1). قصد بقوله أنَّ المسيح المنتظر هو يسوع، والوعد الخلاصيَّ تحقَّق.

يقال أن بشارته أوصلته إلى الاستشهاد بحدِّ السيف، وهناك من يقول أنه رقد طبيعيًّا. أيَّا يكن، يبقى السيف الحقيقيَّ سيف الحقِّ الَّذي أعلنه يسوع: «ما جئتُ لأُلقي سلامًا بل سيفًا» (متَّى 10: 35). فهو السيف الَّذي يفصل بين الحقَّ والباطل، وبين النور والظلمة.

فالاستقامة والاعوجاج لا يلتقيان. لهذا قال الربُّ أيضًا: «أتظنُّون أنِّي جئتُ لأعطي سلامًا على الأرض؟ كلاَّ، أقول لكم: بل انقسامًا» (لوقا 12: 32). هذا معناه أنَّ السلام ليس فيه شرٌّ. وحذار ممَّن يمزج بينهما.

ختامًا، الإنجيليُّ متَّى أعلن الخلاص بالفم الملآن. الحقيقة الكاملة هي المسيح، فلتكن سيرتنا واضحة ومستقيمة: «نعم نعم، لا، لا» (متَّى 5: 37). نعم للمخلِّص الآتي إلينا المعطي النور، ولا للشرِّير ومكائده وظلمته.

إلى الربِّ نطلب.

[1] - That name consist of two elements, the final one being יה (Yah) = יהו (Yahu) = יו (Yu), which in turn are abbreviated forms of the Tetragrammaton יהוה, YHWH, or Yahweh.

The first part of this name comes from the Hebrew verb נתן (natan) meaning to give, or rather the noun מתת (mattat), meaning gift or reward: (https://www.abarim-publications.com/Meaning/Mattathias.html).

[2] - يعيَّد له في السادس عشر من شهر تشرين الثاني.

[3] - ملاك-إنسان (متى)، ونسر (يوحنا)، وأسد (مرقس)، وثور (لوقا).