في موازاة تصاعد وتيرة التّوتّر على جبهة لبنان الجنوبيّة، مع اشتداد حدّة القصف الإسرائيلي الجوّي والمدفعي على البلدات الجنوبيّة، تزامنًا مع تزايد العمليّات العسكريّة الّتي ينفّذها "حزب الله" ضدّ مواقع الجيش الإسرائيلي، كشفت معلومات موثوقة لصحيفة "الجمهوريّة"، عن "تحذيرات متجدّدة للمسؤولين في لبنان عبر القنوات الدبلوماسية الغربية، من نوايا اسرائيلية جدّية بتوسيع دائرة الصراع في اتجاه لبنان، وإبعاد "حزب الله" الى منطقة شمالي الليطاني، وذلك لتوفير الأمان لمستوطنات الشمال؛ وتبديد قلق المستوطنين الذين لا يستطيعون ان يتعايشوا مع "قوة الرضوان" المنتشرة في محاذاة الحدود".
وأشارت مصادر دبلوماسية لـ"الجمهوريّة"، إلى أنّ "مداخلات اميركية مع الجانبين اللبناني والاسرائيلي تجدّدت بالتزامن مع الجولة الثانية للحرب الاسرائيلية على غزة، لمنع توسيع دائرة الحرب. فيما ارسلت باريس اشارات عن قلق متزايد لديها بعد استئناف إسرائيل لحربها في غزة، من انحدار الأمور نحو انفجار مأساوي كبير على جبهة الجنوب اللبناني".
محاولات بائسة
في السّياق، أكّد مصدر سياسي مسؤول لـ"الجمهوريّة"، أنّ "هدف دول الغرب من دون استثناء، هو تقديم الخدمات المجانية لإسرائيل، ويسعى في كل حراكه الى أن يوفّر لها الأمان والاطمئنان بإبعاد "حزب الله" عن الحدود، متجاهلاً أنّ من حق كل لبناني أن يتواجد في اي بقعة من لبنان. فالغرب لطالما نظر الينا بعين واحدة، حيث انّه من جهة يسعى الى الزام لبنان -الملتزم اصلاً- بالقرار 1701، ومن جهة ثانية يغضّ الطرف عن آلاف الخروقات لهذا القرار التي ارتكبتها اسرائيل، بل ويماشيها في اعتداءاتها وجرائمها". ولم يقلّل من "احتمالات الحرب انطلاقاً من الجبهة الجنوبية، خصوصاً انّ مؤشرات كثيرة تؤكّد أنّ اسرائيل تحضّر لحرب ضد لبنان".
من جهتها، ركّزت مصادر مطلعة على موقف "حزب الله"، في تصريح إلى "الجمهوريّة"، على أنّ "الحزب معني بمواجهة العدو، واولويته حالياً نصرة الشعب الفلسطيني في غزة، وإشغال العدو على هذه الجبهة. وبالتالي فإنّ الحزب ليس معنياً في أن يبدّد مخاوف العدو، ولا مخاوف القلقين عليه".
واعتبرت أنّ "التهويل الاسرائيلي بشن حرب، هو تهويل اليائس، وخصوصاً أنّ الاسرائيلي يعرف قبل غيره اكلافها عليه، واي محاولات لمنحه مكاسب على جرائمه في غزة وقتله لأطفالها، هي محاولات بائسة ايضاً. كما أنّ أيّ محاولة لفرض معادلات جديدة على حساب السيادة اللبنانية، يعرف العدو قبل غيره، انّه لو اجتمع كل العالم معه، لن يقدر على تحقيقها".
باريس تقدّم خدماتها لضمان أمن إسرائيل: مدير المخابرات الفرنسية في بيروت
أفادت صحيفة "الأخبار"، بأنّ "بفارق أيامٍ قليلة، غادر مسؤول فرنسي بيروت ليصل مسؤول آخر، وكأنّ لدى باريس مهمة مُلحّة في لبنان. عندما وصل الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الأسبوع الماضي، لم يربط أحد الزيارة بالملف الرئاسي، لعدم وجود مؤشّرات إلى حلول سريعة. كانت القناعة المشتركة بين الجميع أن ما يحمله الموفد الفرنسي، مرتبط بالحرب على غزة والتطورات على الجبهة الجنوبية، إلى جانب تكرار رسائل النصح".
ولفتت إلى أنّه "تبيّن أن لودريان جاء ممثّلاً لـ"الخماسية+ 1" (أميركا وفرنسا ومصر وقطر والسعودية ومعها إسرائيل)، حاملاً مطالب بتنفيذ القرار 1701 وإنشاء منطقة عازلة في جنوب لبنان (بين خط الليطاني والخط الأزرق)، لتطمين سكان المستوطنات الشمالية في فلسطين المحتلة ممن يخشون العودة إلى مستوطناتهم، بسبب وجود "حزب الله" على الحدود".
وذكرت الصحيفة أنّ "بين إدراك العدو الصهيوني لكلفة الحرب على حياة جنوده وأمن مدنه ومستوطناته، وتعطّشه إلى نصر حقيقي وملموس، يواصل إرسال تهديداته عبر القنوات الدبلوماسية، للضغط من أجل خلق واقع ميداني جديد يفرض على المقاومة ما لم يتحقق بعد عدوان تموز 2006. ويبدو أن باريس هي من تتصدّر نقل رسائل التهديد".
وكشفت مصادر بارزة للصحيفة، أن "مدير المخابرات الفرنسية برنار إيمييه ومعه خمسة مسؤولين، موجودون في بيروت في زيارة سرية، وسيغادرونها اليوم من دون أن يُعرف لماذا أتوا وهل التقوا جهازاً أمنياً أو دبلوماسياً أو جهات سياسية، مع ترجيح أن مهمة إيمييه هي استكمال لجولة لودريان".
وقدّرت أنّ "إيمييه جاء حاملاً الرسالة نفسها، خصوصاً أن وسائل إعلام إسرائيلية كشفت قبلَ أيام، أن "تل أبيب سخّرت باريس للعمل ضد حزب الله". وأعادت التذكير بكلام لودريان في بيروت، وتأكيده أمام من التقاهم أن "على السلطات اللبنانية تطبيق القرار 1701"، مهدّداً بـ"تطبيقه بالقوة من خلال تعديله في مجلس الأمن، أو اللجوء إلى الفصل السابع لفرضه وإنشاء المنطقة العازلة بعمق 30 كيلومتراً".
وبيّنت المصادر أنّ "الفرنسيين تحدّثوا بالتفاصيل، لكنهم لم يعرضوا خطة واضحة تتعلّق بنوع أو حجم انتشار حزب الله جنوب الليطاني، إنما عرضوا بعض الأفكار"، معتبرة أن "فرنسا تتولّى الجهد الدبلوماسي في ما خصّ تطبيق القرار، باعتبار أنها أحد الأطراف التي صاغته عام 2006".
ووضعت زيارة إيمييه في إطار "تعاظم الضغوط على لبنان والمقاومة، لإعادة ترتيب وضع المنطقة الحدودية التي يصعب أن تعود إلى ما كانت عليه قبل 7 تشرين الأول الماضي"، مشيرةً إلى أن "العدو الصهيوني يرمي بالونات اختبار عبر الفرنسيين، ليراقب رد فعل المقاومة عليها ومدى تجاوب السلطات اللبنانية مع هذا المطلب، وما إذا كانت هناك أرضية سياسية تسمح بالضغط على الحزب من خلال استخدام خصومه الداخليين، الذين بدأوا فعلاً حملة مواكبة للهجمة الخارجية، من خلال المطالبة أيضاً بتنفيذ القرار 1701، وفي مقدّمهم رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، وجعل المنطقة الواقعة جنوب الليطاني خالية من السلاح والمسلحين، فضلاً عن نشاط تقوم به قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفل) يصبّ في الهدف ذاته".
لبنان يلتزم القرار "1701" وليس مشمولاً بإعادة ترتيب المنطقة
على الصعيد المتصل بالقرار 1701، أكّدت صحيفة "الشّرق الأوسط"، أنّ "الضغوط الدولية تتوالى على لبنان لتطبيق القرار الدولي 1701، استباقاً لما يمكن أن تؤدي إليه التسوية لوضع حد لاستمرار الحرب بين حركة "حماس" وإسرائيل".
وعلمت "الشرق الأوسط" من مصادر وزارية بارزة، أنّ "لا نية دولية لإدخال تعديلات على القرار 1701، بوضع تطبيقه كأمر واقع تحت البند السابع، بخلاف البند السادس من القرار الذي ينص على حصر دور "اليونيفيل" في جنوب الليطاني، لمؤازرة الجيش اللبناني في بسط سلطة الدولة على أراضيها كافة في هذه المنطقة".
وكشفت المصادر عن أنّ "رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ومعه وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بوحبيب، يتوليان الاتصالات الدولية والإقليمية على قاعدة التزام لبنان تطبيق القرار 1701، بعد أن مضى على إصداره 17 عاماً، وأن إسرائيل تتحمل مسؤولية حيال الصعوبات التي حالت دون تطبيقه، بسبب إصرارها على خرق الأجواء اللبنانية براً وبحراً وجواً؛ وصولاً إلى تحليق الطيران الحربي الإسرائيلي فوق سمائه واستخدامه للقيام بغارات ضد سوريا".
وركّزت على أنّ "إسرائيل لم تكتفِ بخرق الأجواء اللبنانية التي كانت وراء تقديم لبنان مئات الشكاوى ضدها أمام مجلس الأمن الدولي، وإنما تصر على اقتطاعها مساحات من الأراضي اللبنانية على امتداد الجبهة الشمالية من رأس الناقورة حتى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، رغم أن لبنان يصر على تحريرها بعد أن تحفّظ على الخط الأزرق، ولا يتعامل معه على أنه خط الانسحاب الشامل المعترف به دولياً".
وشدّدت المصادر على "ضرورة انسحاب إسرائيل من عدد من النقاط الحدودية التي سبق للبنان، بعد تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي في أيار عام 2000، أن تَحفّظ عليها". ورأت أن "تهيئة الظروف لإعادة إحياء القرار 1701، تستدعي انسحابها الفوري منها، إضافةً إلى الامتناع عن خرقها الأجواء اللبنانية، لأنه من غير الجائز تطبيقه من جانب واحد من دون أن يتلازم مع تقيُّد إسرائيل به".
بدورها، وجدت مصادر دبلوماسية أوروبية لـ"الشرق الأوسط"، أنّ "تطبيق القرار 1701 يبقى عالقاً، في ضوء تمدد المواجهة من قطاع غزة إلى الجبهة الشمالية في جنوب لبنان، بعد أن دخل "حزب الله" على الخط، بذريعة أنه مضطر لإسناد حركة "حماس" للتخفيف من الضغط العسكري الإسرائيلي على غزة".
وأفادت بأنها "لمست كل استعداد لبناني لتطبيق 1701، وأن المشكلة، كما قيل لها، تكمن في مواصلة إسرائيل اعتداءاتها على لبنان، رغم أنهم يتواصلون مع "حزب الله" لقطع الطريق على انزلاقه، وصولاً لتوسعة الحرب بحيث تشمل الجبهة الشمالية".