لا تزال لغة المدفع و​الصواريخ​ هي السائدة في ​غزة​، ولكن على غرار كل شيء فهي ستؤول الى نهاية والى تسوية ستنضج حين يحين وقتها. ولا يبدو ان التسوية ستكون بعيدة لان عواملها نضجت على ما يظهر، والحديث عنها اخذ يتسع الى حد الدخول في بعض التفاصيل. وبما اننا في ​لبنان​ معتادون على ان التسويات تاتي على حسابنا، شئنا ام ابينا، ليس من المتوقع ان تخرج المقبلة منها عن هذا التوجه، وقد يغرق لبنان في ما بعد طوفان الاقصى، وذلك بعد ان نجح، حتى الآن، في الابتعاد عن الحرب القاسية التي تلوح في الافق.

الغرق لن يكون عسكرياً وعبر السلاح، انما عبر ما تتضمنه التسويات من "شياطين" في تفاصيلها، ومنها ما تردد -ولا يزال- عن امكان "توزيع" قياديي حركة "حماس" على الدول المجاورة مع حفظ حصة الاسد للبنان. المشكلة في هذا الامر لا تكمن فقط في تواجد هذه القيادات، انما في نتائجها وعملها على الساحة اللبنانية، فلبنان ليس كتركيا او قطر او الاردن او غيرها من الدول، بل يمتاز بسياسة عدم المحاسبة، لذلك ينعم من يتواجد على ارضه بكل ما يتمناه الآخرون من عدم مراقبة او تراخٍ في التعاطي والتساهل في تجاوز القوانين، وهو ما يبرز جلياً من خلال اعتبار ​اللاجئين الفلسطينيين​ و​النازحين السوريين​ ان هذا البلد هو بمثابة نعيم لهم، فلا يغادرونه مقابل كل الاغراءات التي تعطى، وقد زادت ​الامم المتحدة​ بمواقفها الطائشة، الطين بلّة ورسّخت هذا البقاء، لا بل تحاول شرعنته.

لذلك، يعتبر تواجد عدد من قيادات "حماس" في لبنان في الفترة المقبلة اكثر من كابوس، لانه سيسمح لهم بالتخطيط والتنظيم وترسيخ التواجد المسلّح تحت ذريعة "محاربة ​اسرائيل​" واستعادة حقوقهم، ما يعني زيادة حتمية في الجزر الامنيّة والهدر في المصاريف ومخاطر الجرائم والتهريب والارهاب، وضعف الثقة الدولية بلبنان، كما انه يسمح لاسرائيل باضافة بند جديد على قواعد الاشتباك الذي سيبرم في التسوية وهو حقها في استهداف هذه القيادات في اي وقت تشاء، من دون ان يؤدّي ذلك الى خطر اندلاع الحرب على الجبهة الجنوبية للبنان.

التعاطف مع الفلسطينيين والوقوف الى جانب قضيتهم المحقّة، لا يمنع بأيّ شكل من الاشكال الدفاع عن لبنان ومصالحه، ليس فقط عبر المقاومة المسلّحة، بل عبر المواقف الرائدة لمسؤوليه في حمايته من اي مخططات تستهدف امنه واستقراره وديمومته. ولكن للاسف، كما فشل هؤلاء المسؤولون في تجنب ضبط الزحف السوري للنازحين، فمن شبه المؤكد انّهم سيفشلون في منع تحقيق ايّ تسوية على حساب لبنان. ويجب التنبيه الى ان الخطر الناجم عن استقبال مسؤولين من "حماس" في لبنان اكبر بكثير من خطر الحرب الاسرائيلية، لانه مع كل المآسي والدمار التي قد تتأتّى عن الحرب وفظاعتها، فإنّها ستنتهي في وقت محدّد، اما الخطر الناجم عن العمل الفلسطيني في لبنان (الذي لن يقتصر ابداً على الشأن السياسي)، لا وقت له وهو دائم ويزداد مع الوقت. وما البيان الصادر بالامس عن الحركة لجهة التأسيس لـ"طلائع طوفان الاقصى" سوى عيّنة بسيطة مما ينتظرنا في المرحلة المقبلة، لانّ هذه الخطوة تفتقد الى الكثير من التنظيم والهيكليّة، وهي مسائل ستكون مؤمّنة في الفترة المقبلة اذا ما تواجد المهندسون القياديون في الحركة على الاراضي اللبنانيّة.

من البديهي ان تصدر اليوم وغداً اصوات لبنانية تندد بهذه الخطوات وتؤكّد على عدم السماح باتخاذها، وتشدد على استقلال لبنان والضرب بيد من حديد، غير انّه للاسف، ليس بالمواقف يحيا لبنان...