واخيراً خرق الرئيس الاميركي جو بايدن السقف الدبلوماسي وكشف عن المعركة السرّية التي كانت دائرة بينه وبين رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، والتي لم تكن الحرب على غزة سببها، بل فقدان الكيمياء بين الرجلين بشكل واضح. اشار بايدن بأصبع الاتهام الى نتانياهو، وحمّله بطريقة غير مباشرة مسؤولية فقدان اسرائيل نسبة كبيرة من رصيد الثقة والنفوذ الذي كانت تتمتع به في الولايات المتحدة واوروبا على حد سواء، ولكنه لم يتجرأ الوصول الى ما بعده، فجدد الدعم المطلق لاسرائيل وحقها في الاعتداء على الفلسطينيين وقتلهم، انما بطريقة لا تستدعي غضب الرأي العام وايقاظ مارد الانسانية الذي بدأ يفعل فعله ولو متأخرا.

واتضح ان الزيارة التي قام بها بايدن شخصيا الى تل ابيب لم تكن للقاء نتانياهو ودعمه، بل لدعم اسرائيل وتجنب الغضب الانتخابي الذي قد يطال الرئيس الاميركي الحالي وحزبه الديمقراطي بشكل عام، ويزيد بالتالي من حظوظ خصمه اللدود دونالد ترامب، خصوصاً في ظل الفضائح التي تلاحق بايدن وعائلته والتصويت المرتقب يوم الاربعاء المقبل على فتح تحقيق رسمي لعزله، مع استبعاد المحللين الوصول الى العزل. في المقابل، عمل نتانياهو على استغلال عملية "طوفان الاقصى" الى النهاية، فقام بما يريده من دون رادع، ولكن فترة السماح انتهت على ما يبدو، وهو امر لا يناسبه، ووجد ان اعادة تعزيز صورته هي الاولوية اليوم، فسعى الى اعلان حرب شاملة من دون ان ينجح حتى الآن، اما الخطوة الثانية فتمثلت بـ"التمرد" على بايدن وفريقه وعلى الاوروبيين، وهو بذلك يحاول اظهار قوته واستقلالية قراره للاسرائيليين، من دون التعلق بأحد حتى ولو كان الرئيس الاميركي نفسه. ويراهن نتانياهو بذكاء، على عدم قدرة واشنطن على التراجع عن دعمها لاسرائيل، فلا يمكنها التخفيف او قطع المساعدات المالية والعسكرية واللوجستية، والا ستظهر وكأنها تساعد على وضعها في المجهول، فيستفيد رئيس الوزراء الحالي من الوضع في كل الاحوال.

من هنا، يمكن القول ان المعركة باتت تأخذ منحى آخر، وفضّل بايدن العمل على ازاحة نتانياهو من الصورة متسلحاً بالموقف المتغيّر للقارة الاوروبية ولقسم كبير من الاميركيين، ومستنداً ايضاً الى وجود شريحة مهمة من الاسرائيليين غير الراضين عن رئيس وزرائهم الحالي ولا عن السياسة التي يتبعها، وقد برز في هذا المجال زعيم المعارضة يائير لابيد الذي لم يتأخر بتقديم اوراق اعتماده، وهو الذي رفض منذ البدء التعاطي مع نتانياهو حين طلب المساعدة من خلال تشكيل حكومة حرب، فبقي خارجها وزاد انتقاداته للادارة الاسرائيلية الحالية، داعياً اياها الى الرحيل. ومن المنطقي ان يكون لابيد بالتالي، الخيار الافضل لبايدن لتقديمه بديلاً لنتانياهو، فيصيب عصفورين بحجر واحد اي يبقي على الدعم لاسرائيل ويتخلص من مشكلة كبيرة ويرتاح من ازمة الحرب الشاملة التي تقلق راحته.

بذلك، يظهر وكأنّ لابيد هو المنقذ لرئيس الحكومة الاسرائيليّة الحالي، ويبقى على الادارة الاميركية العمل بتأنٍّ وحنكة لانجاح مشروعها، لان نتانياهو يدرك تماماً ان اي ضربة سيتلقاها على هذا المستوى، ستكون قاضية عليه، فهو يقاتل من اجل حياته السياسية ومستقبله، وسيزداد بالتالي شراسة وتمسكاً بالمنصب، وسيصبح اكثر خطورة وجنوناً، وقد يقوم بأعمال غير محسوبة تضع الجميع في موقف حرج ويمكن ان تغرقهم في وحول لن يكون من السهل الخروج منها. انها معركة الوجود لنتانياهو التي يخوضها مع الرئيس الاميركي الذي يطمح لتحقيق مكسب في ربع الساعة الاخيرة من ولايته، فلمن ستكون الغلبة، وكيف سيكون المشهد على الساحتين الاقليمية والدولية بعد اعلان النتيجة بشكل رسمي؟.