تحضُر ​زينة الميلاد​ في واجهة بعض المحال التجارية في أسواق ​صيدا​ بخجل، كأنّها تتحدى زمن الركود والحرب معا، تصمد داخلها لتذكر المتسوقين "أننا هنا"، في إشارة رمزيّة إلى قرب عيدي الميلاد ورأس السنة، إذ تغيب البهجة وينغّص العدوان الإسرائيلي على غزّة وارتباطا التصعيد العسكري في الجنوب، على ال​لبنان​يين فرحهم وهم الذين يتطلعون أن تحمل الأعياد الأمن والسلام.

وتشكّل المغارة وشجرة الميلاد-السرو الاصطناعية رمزا للعيد، وتقوم المحال التجارية بعرضهما في واجهاتها مع بداية شهر كانون الأول، فيما يقبل المواطنون على الشراء في الأيام الأخيرة ووضعهما في ركن صالون المنازل احتفالا وفرحا، ولكن هذا العام قرّر مطارنة صيدا عدم إقامة الاحتفالات والاكتفاء بإقامة القداديس وتلاوة الصلوات ورفع الدعاء لنصرة الشعب الفلسطيني المظلوم.

في سنتر الزعتري، وسط السوق التجاري، تقف ريما صعب أمام مدخل محلّها "مسايا"، تنتظر زبونا لشراء شجرة الميلاد وزينتها، تقلّب كفّيها وهي خاوية وتقول لـ"النشرة"، هذا العام الحركة خفيفة والإقبال ضئيل، الناس غير سعيدة وقد تأثرت بالعدوان الإسرائيلي على غزّة والتصعيد العسكري في الجنوب، فاستنكفت عن الاحتفالات وقد زادت الضائقة الاقتصاديّة الطين بلة والركود جمودا، آملة أن تعاود الأسواق حركتها الطبيعية ويبقى للعيد رمزيتها مهما كانت الظروف.

وتخيّم أجواء الحزن والإحباط على المواطنين جرّاء الحرب في المنطقة و​الفراغ الرئاسي​ والخلاف السياسي، وقد تفاقمت حدّتها مع الركود الاقتصادي الذي يعيشه لبنان منذ سنوات امتدادا للأزمة المعيشية الخانقة، ناهيك عن قرار مطارنة صيدا باقتصار الأعياد على القداديس وتلاوة الصلوات والدعاء دون إقامة الاحتفالات أو تقبل التهاني.

ويؤكد راعي أبرشية صيدا ودير القمر لطائفة الروم الملكيين الكاثوليك المطران ​إيلي حداد​ لـ"النشرة" بسبب الحرب في ​غزة​ والجنوب، فقد العيد البهجة نفسها التي يحملها كل عام خاصة انه في المنطقة التي ولد فيها ​السيد المسيح​، ونحن نشارك إخوتنا الفلسطينيين بهذا الألم، قررنا أن يقتصر ​عيد الميلاد​ على الصلاة والروحانية والتأمل".

وبحسرة لا تخلو من ألم، قال المطران حداد "لا يمكن أن نعيّد وهناك عائلات حزينة وتودع أبناءها الشهداء، لا يمكن أن نتقبل التهاني فرحا في الوقت الذي يتقبل فيه الناس التعازي حزنا، لهذا قررنا ألاّ نتقبل التهاني هذا العام بعيد الميلاد المجيد والسنة الميلادية واتفقنا مع بعضنا أساقفة في المدينة على هذا الأمر كوقفة تضامن مع إخواننا في غزة والقرى الجنوبية.

ورغم الظروف الصعبة، حرصت عدة محال تجارية على تزيين واجهاتها بشجرة الميلاد وبعض الزينة والأنوار لجذب المتسوقين، ويقول طوني قسطنطين لـ"النشرة"، وهو يتسوق مع شقيقته "لم نهضم الإحتفالات هذا العام"، متسائلا "كيف نحتفل بولادة السيد المسيح والبلد الذي ولد فيها تعاني من الحرب والإبادة الجماعية وقتل المدنيين، قررت مع العائلة أن نرفع الصلوات لوقفها ولكي تنعم غزة بالسلام".

في السوق التجاري تتداخل أصوات الباعة مع بعضها البعض تكسر رتابة المشهد، كل ينادي على بضاعته مع تقديم حسومات وتنزيلات، ويقول علي حبال لـ"النشرة"، لقد اعتدنا كل عام أن نشارك إخواننا المسيحيين فرحتهم بعيد الميلاد كما يفعلون هم في عيدي الفطر والأضحى تجسيدا للعيش المشترك والتلاقي والوحدة، ولكن للأسف هذا العام يأتي حزينا وبلا مظاهر، ندعو الله أن يعيده على لبنان بكل خير وبركة وقد جرى معالجة مشاكله السياسية من رئاسة الجمهورية إلى الأوضاع الاقتصادية.

وفي محاولة لتنشيط الحركة، أعلنت ​جمعية تجار صيدا وضواحيها​ عن فتح الأسواق التجارية طيلة أيام الأسبوع، داعية كافة التجار لتخصيص مناسبة عيدي الميلاد ورأس السنة بالعروضات والخصومات المناسبة، وأمل رئيس الجمعية علي الشريف "أن تحلّ بركة الأعياد على الجميع وأن تحمل الأيام المتبقية من العام المنتهي بعض النشاط إلى حركة الأسواق ليتمكن هذا القطاع من العبور بأقل الخسائر إلى بداية عام جديد نحمله كثيراً من الأمنيات بأن يكون لبلدنا الحبيب، عام خير واستقرار وانفراجات على شتى الصعد، وأن يوفق الله تعالى الساسة لإنتخاب رئيس للجمهورية والتفرغ للخروج من نفق الأزمات إلى ما فيه خير هذا البلد وتعافيه ونهوضه.

ويقول صاحب أحد المحال في شارع الشاكرية بكري جلول لـ"النشرة"، أن الوضع الاقتصادي راكد وهذا العام إزداد سوءاً مع الحرب على غزة والجنوب، والناس لم تتقبل بعد الغلاء وترتيب الأولويات وفق قدراتها المالية، لقد تراجع السوق أكثر من 60% من حركته والناس تعتمد على مبدأ "خبّي قرشك الأبيض ليومك الأسود"، هذا إذا بقي قرش أبيض وإذا لم نكن نعيش في الأيام السوداء الحالكة الظلمة".

وفي قرى شرق صيدا، الوضع ليس أفضل حالا فقد حرصت بعض البلديات على إضاءة شجرة الميلاد ورفع الزينة بشكل رمزي من البرامية مرورا إلى الصالحية ولبعا وصولاً إلى مغدوشة حيث قال رئيسها رئيف يونان أنه "احترامًا لأرواح الشهداء الذين إرتقوا في الجنوب نتيجة العدوان الإسرائيلي والجرحى الذين يصابون يوميًّا في غزة بسبب هذا العدوان المستمر، فإنّ بلدة مغدوشة تكتفي هذا العام بإضاءة شجرة الميلاد من دون أن تقيم الاحتفالات السنوية المعتادة"، موضحا أن" أهلها يصلون لأهالي الجنوب وغزة، آملين بأن ينتهي هذا العدوان في القريب العاجل".