ما أبشعَكَ يا مطارَ بلادي!

لا يَظُنَّنَّ أحدٌ أنَّني أتكلَّمُ على الفَيَضاناتِ الَّتي اجتاحَتِ المطارَ، بل أتكلَّمُ على مَشاهِدِ «العناقِ» بين الأهلِ وأولادِهم العائدينَ من السفَرِ في فترةِ الأعيادِ.

الدموعُ الَّتي تنهَمِرُ من عُيونِ الآباءِ والأمَّهاتِ، أكثرُ غزارةً منَ المياهِ الَّتي أَغْرَقَتِ السيَّاراتِ والشاحِناتِ، وجعَلَتْ منَ المطارِ مُستَنقَعَ بيروتَ الدَوْلِيَّ.

صُراخُ الأهلِ كان أعلى من طَنين الرَعْدِ. قلوبُهُمُ المشطورَةُ والَّتي الْتَحَمَتْ بأفلاذِ قلوبهم كانَتِ الانقسامَ الحقيقيَّ في هذ البلَدِ الَّذي باتَ بأَمَسِّ الحاجَةِ لإعادةِ النظرِ في كلِّ شيءٍ فيه.

صحيحٌ أنَّ المسيحيِّينَ مَوْطِنُهُمُ الأوَّلُ هو السماءُ، وصحيحٌ أنَّ كلَّ أرضٍ غريبةٍ هي أرضُهُم، وأرضُهُم غريبةٌ بالنسبة إليهم، كما تقول الرسالة إلى ذيغنيطوسَ من القرنِ الثالثِ الميلاديِّ، هذا لأنَّ المسيحيَّ لا يتعلَّقُ بالتُرابيَّاتِ، وهذا يُفهَمُ حَصْرًا وفْقَ المحبَّةِ الإلهيَّةِ الَّتي أَظْهَرَها لنا إلهُنا المتجسِّدُ، الربُّ يسوعُ المسيحُ، إلَّا أنَّ الرسالةَ نفسَها تقولُ أيضًا وتؤكِّدُ أنَّهُ حيثُ يكونُ المؤمنونَ المسيحيُّونَ، يَكُونون المواطنينَ الصالحين تُجاهَ مَوْطِنِهِمِ الأرضِيِّ والمِثالِ والقُدْوَةِ، وخميرةِ المجتمعِ.

أنا لستُ بيائِسٍ لأنَّ إيماني رجاءٌ وقيامةٌ، إلَّا أنَّني غاضبٌ من كلِّ مسؤولٍ مَدَنيٍّ ودينيٍّ وزمَنيٍّ يستطيعُ أن يفعلَ شيئًا ولا يفعلُ. مستاءٌ من كلِّ مَن يحمِلُ هُوِيَّتَهُ اللبنانيَّةَ ويعملُ ضدَّها.

المسؤوليَّةُ أُعطِيَتْ للحُكَّامِ ليَعمَلُوا لصلاحِ اللهِ وليس لمصلحَتِهِم، كما يقولُ الرسولُ بولُسُ. وما يُغيظُني أكثرَ أنَّه على الرغم من الحالة المهترئةِ الَّتي وصَلَ إليها وطنُنا لبنانُ، هناك مَن لا يزالُ يُؤَلِّهُ زعيمَهُ الَّذي يعملُ عكس شعاراته، ويستغلُّهُ ولا يحاسِبُهُ، وذلك إمَّا عنِ استفادةٍ وإمَّا عن جَهْلٍ.

فَرْحَةُ الأهلِ بعودةِ أبنائِهم محصورةٌ بأيَّامِ العطلة. هذا مُبكٍ.

أُعذُرْني يا مطارَ بيروتَ لأنِّي نَعَتُّكَ بالقَباحةِ، ولَرُبَّما أَعمِدَتُكَ وواجِهاتُ زُجاجِكَ وخَرَسانَتُك وبَلاطُك والمعدَّاتُ الَّتي فيك تشعرُ بألمِ الفِراقِ والوداعِ والهجرةِ، ومَن يجبُ أن يتحرَّكُوا خيرًا وإصلاحًا وبناءً لا يأبهون بمُواطنيكَ، لأنَّهم أضحَوا أصنامًا تَعبُدُ أصنامًا، أصنامَ المالِ والسلطةِ والزعامةِ على كلِّ المستوياتِ المدنيَّةِ والروحيَّة، الَّتي أصبحت خطاباتُهم وعِظاتُهم فارغةً من كلِّ مبادراتٍ جدِّيَّةٍ لإنشاءِ مشاريعَ إنمائيَّةٍ للحفاظِ على الناسِ في هذا الوطن الجريحِ. وانحصر همّهم بتعيين أتباعهم في المناصب والمراكز، واصبح المعيار الوحيد الولاء لهم وليس للحق ضاربين الكفاءة والنزاهة عرض الحائط. عذرهم الوحيد هذا القول: فاقد الشيء لا يعطيه!.

فإذا كُنتُم تريدونَ فقط مَنْ يُصَفِّقُ لكم ومَنْ يقولُ لكم: «آمين» على «العمياني»، فستَجِدُونَ دائمًا فئةً كهذه، ولكنَّ هؤلاءِ ليسُوا المواطنينَ الحقيقيِّينَ بكلِّ ما للكلمةِ من مَعنًى، وليسُوا المؤمنينَ الصادقينَ. هؤلاءِ أتباعٌ لا أكثرُ، والأسوأُ أنَّكُم تعرفون ذلك خيرَ معرفةٍ، وتفرَحُونَ بهم لتُكمِلُوا مسرحيَّاتِكُم (Show)، لأنَّ دُونَهُم لا قيمةَ لكم ولا مكانةَ.

الوطنُ يبنيهِ الشُرَفاءُ، لا الأتباعُ. والكنيسةُ يُشِعُّ فيها التائبونَ والقدِّيسونَ كالأزهارِ.

فهَلِ استَيْقَظْتَ يا شعبي وسَحَبْتَ السُلطَةَ من الكاذبينَ والفرِّيسيِّينَ الفارغين والتافهين والمتسلِّطينَ؟ أو ماذا تنتَظِرُ بَعْدُ؟.