في الأيام الماضية، طُرح على بساط البحث الحديث عن إمكانية الذهاب إلى هدنة جديدة في قطاع غزّة، بناء على تسريبات ​إسرائيل​يّة تصبّ في هذا الإطار، إلا أنّ الفصائل الفلسطينية المعنيّة لم تتأخّر بالرفض، إنطلاقاً من معادلة أنّ البحث في ملفّ الأسرى لا يمكن أن يتمّ قبل وقف ​إطلاق النار​، على قاعدة أنّ تل أبيب ستذهب، بعد الإنتهاء من هذا الملفّ الضاغط، إلى تكثيف الإعتداءات التي تقوم بها.

بناء على ذلك، أظهرت إسرائيل رغبة واضحة في التصعيد على أكثر من جبهة، نظراً إلى مجموعة من الأسباب تحول دون إمكانيّة موافقتها على وقف إطلاق النار، منها إدراك القيادتين السياسية والعسكرية أنّ ذلك سيكون بوابة إنطلاق المحاسبة الداخليّة لها، بالإضافة إلى عجزها، حتى الآن، عن تحقيق أيّ "إنتصار" عسكري، تستطيع أن تقدّمه للرأي العام الإسرائيلي، يكون بمثابة "التعويض"، عن الضربة التي تعرّضت لها خلال عمليّة "طوفان الأقصى".

في هذا الإطار، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ تل أبيب، في ظلّ هذه الأجواء، تبدي رغبة في التصعيد على أكثر من جبهة، حيث أنّها بادرت، بعد أيام من توسيع رقعة المواجهة على جبهة ​جنوب لبنان​، إلى تنفيذ عملية إغتيال ضد قيادي في ​الحرس الثوري الإيراني​ في سوريا، رغم إدراكها أنّ مثل هذه العمليّة قد تستجدي رداً كبيراً من الجانب المقابل، الأمر الذي يوحي بأنّها ترى أنّ هذا الباب قد يكون المخرج المناسب لها من الضغوط التي تتعرّض لها.

في السياق عينه، ترى المصادر نفسها ما يحصل على مستوى ​البحر الأحمر​، بعد أن بادرت ​الولايات المتحدة​ إلى تشكيل تحالف دولي لمواجهة الهجمات التي تشنها حركة "أنصار الله"، حيث تلفت إلى أنّ تل أبيب تريد الإستفادة من هذا الواقع، للإيحاء بأنها تخوض مواجهة متعدّدة الجهات، تتطلّب تضامن المجتمع الدولي، الأمر الذي سعت إليه منذ بداية العدوان على قطاع غزّة، عبر التسويق لمعادلة أنّ ما تعرضت له، يوم السابع من تشرين الأول الماضي، يشبه ما حصل من هجمات إرهابيّة للعديد من الدول الغربيّة في السنوات الماضية.

في هذا المجال، يمكن فهم أيضاً تراجع حدّة الضغوط الأميركية على إسرائيل، بعد الإنتقادات التي وجّهت لها من قبل الرئيس الأميركي جو بايدن، حيث بادر الأخير، في الأيام الماضية، إلى نفي أن يكون طلب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامن نتانياهو وقف إطلاق النار، بالرغم من أنّه سبق له أن حذّر من خسارتها "تضامن" الرأي العام العالمي معها.

في قراءة المصادر المتابعة، سعت تل أبيب، في الفترة الماضية، إلى البحث عن "إنجاز" سياسي، بالتعاون مع بعض الجهات الدولية، يغطي فشلها العسكري، سواء كان ذلك في غزة أو جنوب لبنان، حيث طرحت في الجبهة الأولى العديد من المبادرات، التي تصب في إطار "إقصاء" حركة "حماس"، بينما في الثانية سعت، تحت طائلة التهديد بالحرب، إلى التوصل لإتفاق دبلوماسي، يتعلق بإنتشار عناصر "​حزب الله​" على الحدود"، إلا أنها فشلت في تحقيق هذا الأمر.

بالنسبة إلى المصادر نفسها، هذا الواقع هو الذي دفع إسرائيل بالعودة إلى التصعيد العسكري، الأمر الذي قد ترتفع وتيرته في المرحلة المقبلة، خصوصاً أنّه تزامن مع عودة التسريبات الصحافية عن أنّ الأعمال العسكرية ستستمر لفترة طويلة، وهو ما أكد عليه نتانياهو بنفسه، قبل أيام، من خلال الإشارة إلى أن "الحرب في غزّة بعيدة عن النهاية"، معيداً الحديث، بالتزامن، عن العمل على هجرة طوعيّة لسكان القطاع.

في المحصّلة، ترى هذه المصادر أنّ تل أبيب لا تزال، في المرحلة الراهنة، غير قادرة على الذهاب إلى إتّفاق لوقف إطلاق النار، بسبب التداعيات التي من الممكن أن تترتّب على ذلك، على قاعدة أنّ التوازنات القائمة، سياسياً وعسكرياً، لا تصب في صالحها، الأمر الذي قد يقودها إلى المزيد من التصعيد في المستقبل، للعمل على تحسين تلك التوازنات.