منذ ما قبل بداية العام الحالي، تحذر قوى ​المعارضة​، بشكل متكرر، من مقايضة بين ملفي الأوضاع في الجبهة الجنوبيّة و​رئاسة الجمهورية​، على قاعدة أنّ المحور المقابل هو من يطرح هذا الأمر، مقابل تقديمه تنازلات معينة متعلّقة بالأوضاع الحدوديّة، وصولاً إلى حد الحديث عن معلومات مؤكّدة لديها عن طرح هذه المقايضة من قبل قوى الثامن من آذار، خصوصاً "​حزب الله​"، خلال الإتصالات التي تحصل مع العديد من الجهات الدولية.

أصل هذه الفكرة موجود، بحسب ما تؤكد مصادر متابعة لـ"النشرة"، لكنها تشير إلى أن الأمر ليس بالشكل الذي يتم الترويج له في الأوساط المحلّية، بل يعود إلى فرضيّة أنّ وقف إطلاق النار، في ​قطاع غزة​ و​جنوب لبنان​، لا يمكن أن يتمّ من دون تسوية شاملة، من الطبيعي أن يكون لها تداعياتها على مختلف الملفات السياسية العالقة في أكثر من ساحة.

من وجهة نظر هذه المصادر، قوى المعارضة إختارت إطلاق ما يمكن تسميته بـ"المواجهة الإستباقية"، كي لا تجد نفسها، في المستقبل، أمام واقع لا تستطيع مقاومته، على قاعدة أنها لا يمكن أن تكون فريقاً في أيّ تسوية قد تطرح، على عكس ما هو حال الفريق الآخر، الذي من المؤكد أنه سيكون حاضراً على طاولة المفاوضات، من خلال "حزب الله" الذي بات جزءاً من الحرب منذ اليوم الثاني لعملية "طوفان الأقصى".

في هذا السياق، تشير مصادر نيابية في قوى الثامن من آذار، عبر "النشرة"، إلى أن المعارضة تتحدث عن مقايضة غير مطروحة، وتوضح أنّ موقفها من هذا الأمر واضح لا يقبل اللبس، وهو يندرج وفق معادلتين: الأولى هي عدم البحث في أيّ أمر قبل وقف إطلاق النار في غزة، أما الثانية فهي عدم الإستعداد للتضحية بأيّ أمر يتعلق بالأرض من أجل مكاسب داخلية، على عكس ما يتم الترويج له من قبل البعض.

من هنا، تؤكد المصادر نفسها إستمرار التمسك بترشيح رئيس تيار "المردة" ​سليمان فرنجية​، ما يعني عدم حصول أيّ تبدل في موقفها من الإستحقاق الرئاسي، لكنها تشير إلى أن هذا الملف في الأصل غير مطروح بشكل جدّي في الوقت الراهن، حيث تلفت إلى وجود اتصالات، تحصل بعيداً عن الأضواء، لكنها لم تصل إلى أيّ نتيجة، بينما في المقابل هناك بعض الطروحات التي يتم التداول بها، إلا أنه من الناحية الرسمية ليس هناك من مبادرة جدية بهذا الخصوص.

هنا، تعود المصادر المتابعة إلى الحديث عن تعويل كبير على طرح من الممكن أن يعود به المبعوث الرئاسي الفرنسي ​جان إيف لودريان​، في الفترة المقبلة، خصوصاً أن زيارته المنتظرة إلى بيروت من المفترض أن تأتي بعد إجتماع تعقده اللجنة الخماسية، إلا أنها تشدد على أن ليس هناك من مواعيد محددة بهذا الخصوص، ما يؤشّر الى عدم نضوج طرح في المرحلة الحالية، وبالتالي الأمور لا تزال تحتاج إلى المزيد من الوقت.

في هذا المجال، توضح المصادر نفسها أنه في الأوساط السياسية نظريتان: الأولى تعتبر أن البحث في هذا الملف لا يمكن أن يتم قبل إنتهاء الحرب، على قاعدة أن الأخيرة ستفرز معادلات يجب أن تنعكس على الواقع اللبناني، سواء كان هناك مقايضة أو لا، أما الثانية فترى أن الأوضاع الراهنة في المنطقة تحتّم وجود رئيس للجمهورية، على قاعدة أن لبنان سيكون جزءاً من أي مفاوضات تتناول البحث في التسوية الشاملة، الأمر الذي لا يمكن أن يتم من دون وجود رئيس.

في المحصّلة، تشير هذه المصادر إلى أن خوف المعارضة من نظرية المقايضة مبرر، نظراً إلى أنها تدرك أن القوى الكبرى عندما تريد الذهاب إلى إبرام تسوية ستبحث عن الفريق القوي للإتفاق معه، أي ذلك الذي يملك القدرة على اتّخاذ القرار أو تحقيق النتائج المرجوّة منها، بينما هي كانت، طوال الأشهر الماضية، غائبة عن المشهد.