على الرغم من إستمرار ​العدوان الإسرائيلي​ على ​قطاع غزة​، بما يعنيه ذلك من تداعيات على مستوى جبهة ​جنوب لبنان​، يبدو أنّ ​الولايات المتحدة​، من خلال جولات موفديها في المنطقة، قرّرت الإنتقال إلى التركيز على سؤال جوهري يتعلق بـ"اليوم التالي" لوقف العمليات العسكريّة، على قاعدة أنّ هذه الحرب، مهما طالت، ستتوقف في يوم ما، وبالتالي من المفترض إطلاق مروحة الإتصالات حول الترتيبات التي من الممكن أن تلي ذلك.

في هذا السياق، لا يبدو أنّ المهمة ستكون سهلة على الإطلاق، نظراً إلى أن التعقيدات الموجودة في الرؤية حول مستقبل قطاع غزة كبيرة جداً، والأمر نفسه ينطبق على الواقع في جنوب لبنان، في حين أن إستمرار العدوان يؤكّد أن إحتمال توسع رقعة المواجهات يبقى قوياً، بغض النظر عن رغبات مختلف الجهات المعنية.

في هذا الإطار، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ المعضلة الأساس تكمن بالتداعيات التي تركتها عملية "طوفان الأقصى"، نظراً إلى أنّ تل أبيب، حتى الآن، غير قادرة على "هضم" حجم الضربة التي تعرضت لها في السابع من تشرين الأول الماضي، لا سيما أنها لم تنجح في تحقيق أيّ من الأهداف التي أعلنت عنها، وبالتالي لا يمكن لها التراجع في الوقت الراهن، بسبب التداعيات التي قد تترتب على ذلك.

بالتزامن، تدعو هذه المصادر إلى عدم التقليل من أهميّة الخلافات الداخليّة الإسرائيليّة حول كيفية التعامل مع الواقع في قطاع غزة، في المرحلة التي تلي إنتهاء الحرب، خصوصاً أن العديد من المسؤولين الإسرائيليين، من أحزاب اليمين المتطرف، يصرّون على عدم وقف إطلاق النار قبل القضاء على حركة "حماس"، بالرغم من أن هناك في المقابل منهم من يرى أن تحقيق هذا الهدف غير ممكن.

في هذا المجال، تلفت المصادر نفسها إلى أن تل أبيب، على الرغم من كل المواقف التصعيدية التي تصدر منذ بداية العدوان، ليس لديها أي نظرة واضحة حول ما يمكن القيام به على هذا الصعيد، في حين أنّ الولايات المتحدة تضغط للذهاب إلى حل شامل يكرس الإستقرار في المنطقة لفترة طويلة، وهي تعتبر أن هناك تنازلات على إسرائيل الموافقة عليها في سبيل الوصول إلى هذا الهدف، لكن في المقابل لا يبدو أن واشنطن قادرة على إقناع القيادة السياسية في تل أبيب بذلك.

بالنسبة إلى مستقبل الأوضاع على جبهة جنوب لبنان، لا يبدو أن الصورة أكثر وضوحاً، حيث تلفت المصادر السياسية المتابعة إلى أن ما يمكن التأكيد عليه هو وجود رغبة أميركية بعدم الذهاب إلى توسيع رقعة المواجهات العسكرية القائمة، وهو ما يبرر إيفاد واشنطن مستشار الرئيس لشؤون الطاقة عاموس هوكشتاين إلى بيروت، للبحث فيما يمكن الوصول إليه من إتفاقات حول "اليوم التالي"، لكن مع التشديد على السعي إلى إنطلاق، كمرحلة أولية، إلى التخفيف من حدة المواجهات الراهنة.

حتى الآن، توضح المصادر نفسها، أن ليس لدى الولايات المتحدة رؤية واضحة لما يمكن أن يطرح، بل مجرد أفكار يتطلب البحث فيها الكثير من الوقت، خصوصاً أن إسرائيل تضغط للوصول إلى حل ما، يسمح لها بإعادة سكان المستوطنات الشمالية إلى منازلهم، في حين أن "حزب الله" سبق له أن أعلن رفض البحث في أيّ أمر قبل وقف العدوان على غزة، مما يحول دون الوصول إلى نتائج عملية في الوقت الراهن.

في المحصّلة، ترى هذه المصادر أنّ ما يمكن الحديث عنه هو أن أبواب البحث عن حلول تقود إلى تهدئة طويلة مفتوحة، لكن المهمة ليست سهلة على الإطلاق، سواء كان ذلك في قطاع غزة أو جنوب لبنان، نظراً إلى أنّ كل ما يطرح حالياً يتجاهل أن الحرب لا تزال قائمة، في حين أنّ نتائجها ستكون العامل المقرّر في التوازنات التي ستكون حاضرة في أيّ إتفاق أو تسوية.