جرت العادة في عيد الظهور الإلهي (عيد الغطاس)، أن يزور الكهنة المنازل ضمن نطاق رعاياهم، لنضحها بالمياه المقدّسة. هذه العادة المباركة مناسبة كي يتفقّد الكاهن أبناء رعيته، لا سيما العائلات الذين لا يتردّدون بشكل دائم واسبوعي إلى الكنيسة، والوقوف على أوضاعهم ومستجداتها، وتبريك منازلهم بالمياه المقدّسة، التي سبق وأقام هذه الخدمة في الكنيسة، خلال قدّاس العيد.

هذه المياه تتقدّس بحلول الروح القدس عليها. حيث يقف الكاهن أمام وعاء مملوءًا بالماء، ويشير بيده إلى الماء ويصلّي، وكلّ المشاركين يصلّون معه إلى الرب قائلين: "… احضر الآن بحلول روحك القدّوس وقدّس هذا الماء، وامنحه نعمة الفداء وبركة الأردن، واجعله ينبوعًا لعدم الفساد وموهبة للتقّديس وفداءُ للخطايا… حتى أنّ جميع الذين يستقون منه يكون لهم لتنقية النفوس والأجساد، لشفاء الآلام، لتقديس المنازل"...

الكاهن لا يحضر لنضح أثاث وجدران المنزل فقط، بل ليملأ النعمة في نفوس أبناء رعيته داخل بيوتهم، وتكريسها للرب، أي يصبح مكان سكنهم امتدادًا للكنيسة. علمًا أن التكّريس ليس فقط للمنازل، بل لكلّ خيرات الرب ولكلّ الناس. وهنا أذكر كم يفرّحني الذين يطلبون من الكاهن تكّريس محالهم ومؤسساتهم وأماكن عملهم، وليس فقط منازلهم، ويستقبلونه، مع أولادهم، بفرح وبكل محبّة واحترام، ولياقة وترتيب.

نصنع هذا لأننا نطمح إلى أن يتقدّس البيت وكلّ أهل البيت لتصير بيوتنا كلّها كنائس تشهد للمسيح في العالم، وبالتالي تثّبيتها وترّسيخها في الإيمان القويم. لهذا إن قول "رشّ المنزل" هو خطأ شائع. فالهدف من هذا العمل هو مدّ الليتورجيا إلى خارج الأسوار الحجريّة للكنيسة، ليغدو كلّ منزل مكرّسًا ومقدّسًا، وهكذا تصبح جميع المنازل بيوتًا مقدّسة للرب.

هذا لا يتم بسحر ساحر، بل بسعي قاطنيها إلى توبة حقيقية، من خلال الصلاة والصوم، عندها فقط يتم طرد الشيطان "وكلّ أعماله وجميع ملائكته وكلّ عبادته وكلّ أباطيله".

نضحنا بالمياه المقدّسة، في عيد الظهور الإلهي، تجديد لمعموديتنا التي بها نلنا الخلاص، وتحصين لحياتنا وصحّتنا الروحيّة، التي توازي صحّتنا الجسدية، وإبعادهما عن الشرّ، الذي يزداد يومًا فيوم.

هذا الاستفقاد السنوي للكاهن، يجعله على بيّنة من أوضاع رعيّته، بحيث يكتشف بعضًا من أوضاع العائلات ومشاكلهم ومصاعبهم. إنّها فرصة ليطّلع على أوضاع الناس عمومًا، ويشجّعهم مجددًا على المجيء إلى الكنيسة، والخروج من حالة الكسل الروحي. كذلك هي مناسبة لحثّ الأولاد على الانخراط في نشاطات الرعيّة، التي بالاجمال تطال كافة الأعمار. زيارة الكاهن لمنازل الرعية في موسم "الغطاس"، مع تلاوة صلاة صغيرة، قد تؤتي ثمارًا جيّدة في نفوس أهل البيت، وتقرّبهم من خادم رعيتهم، وبالتالي من كنيستهم، دون أن نغفل زيارة الكاهن، وبشكل دائم، للمرضى في بيوتهم، حال إبلاغه بوضعهم، وتزويدهم بالقربان المقدّس، والصلاة لأجل صحة النفس والجسد.

إنّه زمن مبارك، إنّه وقت موافق، إنّها مناسبة مقدّسة، فلنتقبّلها بفرح وسرور، ونغتنمها فرصة لكي نعيش عمق معانيها وأبعادها بكلّ جدّية. فالكاهن من جهته مدعوٌّ إلى تقّديس المنازل، والمؤمنون مدعوّون إلى فرح اللقاء، لأن بيوتهم ستتكرّس للخالق. وحيث يسكن الله يحلّ السلام.