على الرغم من اصوات الصواريخ والمدفعية والاسلحة الثقيلة التي تتردد في سماء لبنان وغزّة، علت من جديد أصوات أخرى تتحدث عن تحرك ونشاط على الخط الرئاسي اللبناني، تزامنت مع تحرك مفاجئ قام به رئيس تيار المردة سليمان فرنجية في اكثر من اتجاه، كسر فيه غيابه المدروس عن الاضواء.

في هذا المجال، تردد في الصالونات السياسية ان ما حصل على هذا الخط في الآونة الاخيرة، انما اتى بايحاء خارجي من ان الاتفاق اصبح شبه منجز على تولي فرنجيّة الرئاسة، وان الزخم المقبل سيكون في هذا الاتجاه. ولم تتأخّر الاصوات المعارضة لهذا الرأي في اظهار نفسها علناً، منها من هو مؤيد لتولي قائد الجيش العماد جوزاف عون المنصب الرئاسي، ومنها من شدّد على انّ حظوظ الرجلين باتت في مكان آخر وان الحل سيكون عبر اسم ثالث لا يزال مجهولاً.

في الواقع، يستند المتفائلون في وصول فرنجية الى الرئاسة الى معطيات يرونها واضحة في ان الرئيس المقبل سيكون مرشح الثنائي الشيعي، كما انّهم لم يتأخّروا في وصل النقاط بين قرار المحامي العام التمييزي القاضي صبوح سليمان باسترداد مذكرة التوقيف الغيابيّة التي أصدرها المحقّق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار بحق الوزير السابق يوسف فنيانوس، وما يروّجون له، معتبرين ان هذا القرار في هذا التوقيت بالذات انما يشمل رسالة لمن يعنيهم الامر بأن كل العقد الموضوعة على خط بنشعي-بعبدا يجب ان تزال، وان العمل بدأ على تفكيكها واحدة تلو الاخرى، وبالتالي ستكون هناك قرارات واجراءات اخرى سيتم اتخاذها لتفعيل هذا التوجه.

ويضيف مؤيّدو فرنجية، انّ نشاطه الاخير لم يكن اعتباطياً، خصوصاً وان من تحرك باتجاههم هم من العناصر الاساسية في الاستحقاق الرئاسي، وفي مقدمهم بطبيعة الحال قائد الجيش والوزير السابق وليد جنبلاط، وان زيادة الغموض حول طبيعة ما دار من كلام في اللقاءات التي اجراها انما هو دليل اضافي على اهمية هذه الخطوة وعلى ان الكلام جدّيّ، كما ان عدم صدور ايّ موقف او كلام من ايّ نوع عن فرنجية، يؤكد انه يتعامل مع المسألة بحرفيّة ووفق ما هو مطلوب، لضمان عدم تخريب الاجواء ولعدم افساح المجال امام المصطادين في الماء العكر لتغيير الاحداث وفقاً لما يرغبون.

ويتوّج مؤيدو رئيس تيار المردة حججهم الّتي تؤكد انّ انتخاب فرنجية وضع على سكة التنفيذ، ما يحصل من تطورات على الساحة الاقليميّة وتحديداً في غزة، حيث يرون ان الامور ستحسم لجهة فرض تسوية لن تنال من حزب الله ولا من "محور المقاومة"، وبالتالي لا يمكن لمن وقف في وجه اسرائيل، ان يتراجع في وجه الآخرين، وسيزداد تمسكاً بمرشحه الرئاسي مضيفاً عامل قوة جديدة، ليس بالسلاح، انما بالسياسة وهو كفيل بتحقيق غايته ولو طال الوقت بعض الشيء.

كل ما سبق هو وجهة نظر واحدة يدفع بها محبّو فرنجية والمتعطشون لوصوله الى الرئاسة، ولكن هناك بالطبع وجهات نظر اخرى تعاكس كل ما قيل، وعلى اقتناع تام بأن حظوظ فرنجيّة في الرئاسة لم تعد قائمة، ويجب التعاطي مع المسألة بهذه الواقعيّة والا سيصاب من يدعم رئيس تيار المردة بصدمة. وبين هذا وذاك، يبقى الاستحقاق الرئاسي رهينة معطيات عديدة ليس أوّلها حرب غزة ولن تكون آخرها الازمة التي لا يزال لبنان غارقاً فيها على اكثر من جبهة، فيما لا تزال الوعود تقدم إليه بالخلاص فور انتظام الامور، ولسان حال اللبنانيين: "على الوعد يا كمّون".