أوضح لنا الفهماء، أنّ ​الإنسان​ الذي يقوم بأخذ النصائح، هو من يَسلم بنفسه من الوقوع في الفضائح، حيث أنّ رأي الأغلبية الواعية والمختبرة، يحوي في طيّاته الحكمة والصواب. الآراء حين تكون متعدّدة ومفيدة، تقدّم للإنسان خيارات متنّوعة من الحِكَم والمواعظ.

مشاورة أهل النصيحة تُبعد الإنسان عن الوقوع في الأغلاط، وتأخذه إلى القرارات المنجّية. من هنا، أرباب الشورى يتحلّون بروح التواضع والفهم والثقة بالنفس، وعندهم من الثقة في الآخرين الأمر الكثر.

فَهِم المسيحيون أن المشورة هي عمل الروح القدس "يرشدكم إلى جميع الحق" (يوحنا ١٦: ١٣)، على أساس الحق الإلهي المُعلَن في الأسفار المقدّسة. من هذا المنطلق، كثر من المسيحيين، يمارسون سرّ التوبة والاعتراف، ليحصلوا على الإرشاد الروحي، والنصائح والتوجيه، وبالتالي ينالون الحلّ من الخطايا. بولس الرسول علّمنا في رسالة العبّرانيين قائلّا: "اذكروا مرشديكم الذين كلّموكم بكلمة الله" (عبّرانيين ١٣: ٧). مرشدوكم هم الرعاة الذين يكرزون بكلمة الله، والآباء الذين يرشدوننا بنعمة الروح القدس.

الفهيم يشاور الحكماء والعقلاء، ولا يتأثّر بالمتملّقين والمصفّقين والمرائين، الذين لا همّ لهم إلّا استرضاء أسيادهم لغايات وغايات. من الطبيعي بمكان، أن أصحاب المراكز والقرار لا يبادرون إلى اتخاذ قرارات تلقائية، إنما يعودون إلى أشخاص صريحين، أمينين، صادِقين، مستقيمين، مُخلِصين، نَزِيهين، أوفياء، لاتّخاذ القرار الصائب. هذه الصفات التي يجب أن يتحلّى بها المستشار، كما الكفاءة وطهارة اليد والتجرّد من كافة الأهواء الشخصية، حتى تأتي نتائج الشورى إيجابية وبنّاءة. هذا ما ينقصنا في هذا البلد، مستشارون مستنيريون غير مستزلَمين.

هناك مقولة شائعة، أن "الإنسان الذي يِقدم على مشورة الحكماء من حوله، هو من يستطيع أن يعرف ما يدور في عقول الآخرين من حوله"...

بعض القادة، سواء كانوا روحيين، أو زمنيين، أو عسكريين، مسؤولين بالعموم، مقدار نجاحهم يعتمد على حُسن اختيار المستشارين، وتقبّل الشورى. الفهيم منهم يأخذ رأي الفاهمين ومشورتهم في كافة المواقف التي يقع بها، فإنه بذلك يكون قد سلك طريق الهداية، بينما المسؤول الذي يتعنّت برأيه، ويكون قد خاطر برأيه، ويحمل على عاتقه كافة النتائج التي تعقب رأيه، "فالاستشارة عين الهداية". لذا ينبغي على الإنسان أن يأخذ مشورة الناس الحكيمة ورأيهم، ومن ثم يختار أيها أحكم الآراء.

في الخلاصة، نستنتج أن الفاشلين في إداراتهم وحياتهم في العموم، هم الناس الحمقى الذين يتعجّبون من أمر الاستشارة، فلا يأخذون بها، ويتعنّتون برأيهم، ولا يرغبون في استشارة الناس الحكماء، وذوي الاختصاص، وأصحاب الخبرة، من حولهم، فيسقطون في غرورهم ويفشلون في اعمالهم، مهما علا شأنهم و"تقدّست" مراتبهم.

المريض لا يأخذ ​الدواء​ إلّا بعد مشاورة الطبيب. المهم أن نستشير، والأهم حُسن اختيار المستشارين، لأن الخوف من أن يكون هؤلاء المشيرون من الحمقى أو الأشرار، فتأتي مشورتهم بالبلاء والهلاك.