تطفو في الاشهر الماضية قضية قديمة ولكنها مستجدة سيما بعد عملية طوفان الاقصى وكذلك ما يحصل بين ​ايران​ و​باكستان​ وما حصل بين ايران و​العراق​ منذ بضعة ايام، وهي قضية الغارات والقصف الذي يعتبر ودياً تجاه الدولة المعتدى عليها باعتبار ان العملية العسكرية لا تقصد انتهاك سيادة الدولة الاخرى ولا القضاء على احدى بنياتها، بل على العكس هي ضربات عسكرية تعتبرها الدولة المعتدية اشبه بعملية اعانة للدولة المعتدى عليها للتخلص من مظاهر ارهابيّة دخيلة على مجتمع تلك الدولة، وهي في نفس الوقت ذات تأثير سلبي على الدول المجاورة، وهذا ما حصل ويحصل بين الجمهورية الاسلامية الايرانية وكل من العراق وباكستان في الحال، وكانت الساحات قد فتحت على قصف ​سوريا​ من كل الدول اللاعبة في الساحة السورية عسكرياً كاميركا وروسيا وتركيا وايران و​اسرائيل​ وحركات التحرر في المنطقة، وكلاً منهم لا يدعي استهداف وانتهاك سيادة سوريا كنظام سياسي بالمباشر، فجهة تعتبر انها تحاول التخلص من بؤر الارهاب المنتشرة في الشمال السوري منعاً لوصولها لحدود دولتهم وذلك نيابة عن الجيش السوري ومساندة له، واخرون يمارسون عملية تصفية حسابات وضغوطات دولية واقليمية في الساحة السورية مع ضربات متقطعة بين الحين والآخر هي اشبه بعمليات ضبط ايقاع سياسي وتفاوضي ورسم خطوط عسكرية.

ان كل هذه الدراما في المشهد السوري منذ اكثر من عشر سنوات خلقت ظاهرة يمكن تسميتها "بالغارات الودية" وبالاخص من جهة محور الممانعة في المنطقة، انها ودية ودفاعية على الدولة صاحبة الاقليم، ولكنها عدائيّة تجاه المنظمات الارهابيّة التي قد تعجز الدولة السوريّة لوحدها عن مجابهتها سيما في ظل تكتل دولي عسكري مواجهاً لها ايضاً على الارض السورية ، الى ان جاءت عملية طوفان الاقصى في السابع من تشرين الاول 2023، وعليه استنفرت القوى الموالية لمحور المقاومة في المنطقة من ​لبنان​ و​اليمن​ والعراق بعمليات مساندة للمقاومة في ​غزة​، فعملت القوى وفق معتقداتها المؤمنة ب​القضية الفلسطينية​، وكذلك بوحدة الساحات دون الاكتراث لحكومات دولتهم بيد ان الدافع الانساني تجاه شهداء قطاع غزة لا يقف امام عقبات دستورية داخلية او اذونات حكومية.

وفي خضم هذا المشهد الاقليمي جاء اغتيال ​صالح العاروري​ والسيد رضي الموسوي وتفجير كرمان الاخير الذي اودى بحياة عشرات الايرانيين ليقدم توسعاً في رقعة التجاوزات الودية، حيث دخلت ايران بحرسها الثوري على خطّ العمليات العسكرية على معاقل الارهاب والموساد ليس فقط في سوريا بل ايضاً في العراق وباكستان.

ولكن قامت كل من باكستان والعراق بالاعتراض لدى الممثلين الدبلوماسيين الايرانيين في الدولتين ومع رد عسكري باكستاني على مناطق جنوب ايران (سيستان وبلوشستان) على جماعة جيش تحرير بلوشستان كرد على ضربة ايران لجماعة جيش العدل في باكستان التي تصنفها ايران منظمة ارهابية.

هذه الردود غير الموافقة للقصف الودّي الذي حصل من ايران ضد اراضي العراق وباكستان ماذا يُعتبر في الشرعية الدولية؟.

في الحقيقة ان في القانون الدولي شيء اساسي للتدخل الاجنبي في دولة ما عسكريا وهو (المعاهدات)، فاذا كان هناك اتفاقية مبرمة بين الدولتين تسمح لكلا الطرفين ان يتدخلا عسكرياً لضرب معاقل جماعة خارجة عن القانون في داخل احدى الدولتين (اذا ما اتهمت هذه الجماعة بتحريض او تدبير او تنفيذ عملية ارهابية على دولتهم)، فعندها تعتبر الضربة العسكرية ضمن هذا النطاق المحدود شرعية بين الدولتين نظراً لوجود اتفاقية مبرمة في هذا الشان.

اما في حال عدم وجود اتفاقية فان القانون الدولي لا يسمح بشنّ عمليّة عسكريّة او شن حرب على جهة داخل دولة دون اتفاقية، وكذلك لا يسمح القانون الدولي بالابتداء بحرب اصلاً من دولة على دولة تحت حجة الردع المسبق او التخمين بربط عداوة، فلم يبق سوى تشريع دولي بقرار يصدر عن مجلس الامن الدولي ضمن مبدأ الامن الجماعي والمسؤولية الدولية بحفظ السلم والامن الدوليين، او حفظ انظمة الدول الاعضاء في هيئة الامم المتحدة، وكلا الامرين غير متوافرين في هذه الحالة.

فالذي يحصل مع ايران هو انها تقوم بعمليات تفترض ببادئ الامر ان الدولة ذات الاقليم المعتدى عليه موافقة ضمناً وليس صراحة على العملية، ولكن لان العملية صريحة وسافرة وكذلك النظام في الدولة موجود فعلاً وليس تخميناً على غرار سوريا، فانّ ردة الفعل يجب ان تكون صريحة ايضاً بعدم الموافقة، وبالتالي عليها باللجوء الى الاعتراض الرسمي وربما العسكري بالرد بالمثل كما فعلت باكستان.

ولكن ماذا لو لم يكن هناك اعتراضاً صريحاً؟.

في حال لم يكن هناك اعتراضاً صريحاً كحال سوريا التي تقصف اراضيها بشكل شبه يومي بغية ضرب معاقل الارهاب ومناطق نفوذ "داعش" فيها وهي لا تبدي اعتراضا عسكريا ولا دبلوماسيا حتى، ذلك لانها معترفة ضمناً بالامر الواقع المفروض عليها من كل هذه الدول، بينما العراق وباكستان يختلفان عن سوريا بصراحة سيادة انظمتهما وحكومتهما على كامل الاراضي التابعة لهما، وعليهما المحافظة على هذه السيادة، وألاّ يسمحا بسبب وجود معاقل ارهابية على اراضيهما ان تتحول المنطقة من سوريا واحدة الى سوريات متعددة في الجوار الايراني.

فان الرد ضمن اقليم دولة اخرى غير المستهدف لسيادتها، في عملية اعلاء فوق الحدود القومية بالوصول الى حدود اممية او فكرية مفتوحة لا يكون من طرف واحد، وما يستدعي ان يتبعه من رد مقابل، ما سيسمح في فترة لاحقة بتدخل دول اخرى مماثل لهذه التدخلات ما يعقبه من ادخال المنطقة في دوّامة خلط حدود وفوضى تشبه فوضى الحربين العالميتين واستباحات ساحات الحلفاء لبعضهم بغية الدفاع، ولكن اعتراض باكستان والعراق لهو حقيقة الاعتراض الودي والرد الودي الذي يضبط تفلت المنطقة واعتبار اننا لسنا في ظل حرب عالمية ولا اقليمية بعد، فهل البدء بفتح الساحات مقدمة لشيء دولي كبير لا زال يكبح بالاعتراضات الدبلوماسية وبعض الرد العسكري؟!.