دخل لبنان الشهر الرابع في الحرب التي تشنها إسرائيل على المنطقة الجنوبيّة، والتي شهدت مع أول شهر من العام الجديد تصاعد وتيرة وحدّة العمليات العسكرية عليه، ما أدى إلى ارتفاع أعداد النازحين من قراهم نحو المناطق الداخلية الأكثر أمنا وقد لامست 100 ألف نازح، إلا أن اللافت في الأمر حجم الدمار الذي ترتكبه آلة الحرب الإسرائيلية، وكأنها مصممة على تدمير كل شيء لعرقلة عودة النازحين فور توقف الحرب.

ونظرا لانسحاب العديد من وسائل الإعلام المحلية والدولية من المناطق المستهدفة، باتت الصور التي ترد من الجنوب قليلة، ولهاذا يعتمد الصحافيّون والمواطنون على المشاهد التي يلتقطها الأهالي أو العدد القليل المتبقي من الصحافيين في الجنوب، والتي يجري تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي. هذه المشاهد ليست عادية، فالإسرائيلي لم يدمّر مبنى فحسب بل عمد إلى تدمير أحياء سكنية بأكملها، تماما كما حصل في عيترون وعيتا الشعب وميس الجبل، بذريعة وجود مراكز لحزب الله، أو ظنا منه بأن حدثًا أمنيا قد يحصل في هذه النقطة أو تلك.

أضف إلى ذلك سعي الاحتلال إلى ضرب المجمّعات السكنيّة والمرافق الحيوية من مزارع المشاية والدواجن، وإلى تدمير خزانات ومضخات الآبار الجوفيّة، وتدمير محطات الطاقة الشمسية، عدا عن تدمير عدة ورش لصناعة المفروشات وغيرها من المرافق الاقتصاديّة الهامة التي دخلت في صلب حياة الجنوبيين وكانت ركيزتهم في معيشتهم وحياتهم الاقتصادية.

كما البشر والحجر فكذلك الشجر، فقد عمد الاحتلال إلى إحراق مساحات شاسعة من الأحراش اللبنانية، والتي تضم آلاف أشجار السنديان والصنوبر المعمّر، هذا عدا عن أشجار الزيتون التي تجاوز المحروق منها 5000 شجرة بحسب وزارة الزراعة اللبنانية، وكذلك شجر الأفوكا الذي يعد احد أهم الزراعات اللبنانية في القرن الحالي، والذي ينافس الأفوكا (الإسرائيلي) في أسواق أوروبا، أضف إلى ذلك منع المزارعين من الوصول إلى حقولهم لقطف المحاصيل أو زرع البذور، تماما كما حصل مع مزارعي الزيتون والتبغ.

فكلما استمرّت الحرب كلما زاد حجم التدمير الممنهج الذي تعتمده إسرائيل، وبحسب عدد من السكان المحليين، فإنّ حجم الدمار في عيتا الشعب تجاوز الذي أحدثته إسرائيل في حرب تموز 2006 على لبنان، ويقول أحد هؤلاء المواطنين أن الإسرائيلي بعد أن أفرغ المنطقة من معظم سكانها، فإنه يسعى إلى تسوية المنازل والمنشآت في الأرض باستخدام مدفعيته ومسيّراته وطائراته الحربيّة، لهدف واحد وهو تحويل منطقة الشريط الحدودي الممتد بطول مئة كلم، إلى منطقة أمنيّة، تماما كما كانت الحال قبل تحرير منطقة الشريط عام 2000 واندحاره عنها.

هذه الفكرة تتزامن مع كلام لوزير الحرب الإسرائيلي يواف غالانت الذي قال إن الجيش الإسرائيلي سيتحرك قريبا عند الحدود مع لبنان، وقد أبلغ جنوده المتمركزين على حدود غزّة أنهم سيغادرون المنطقة للانتقال إلى الشمال استعدادا لعمليات مستقبليّة على جبهة لبنان.

وهذا ما يطرح العديد من الأسئلة حول شكل المرحلة المقبلة، وماذا ستحمل معها للبنان والمنطقة، فهل ستتطور هذه الحرب بشكل أوسع كما حصل في تموز عام 2006، أم أنها ستبقى منحصرة في المنطقة الحدودية؟ أم أن رياح الدبلوماسية الدولية التي لم تهدأ منذ اندلاع الحرب بدءًا من تشرين الأول الماضي ستأتي بنتائجها وتهدئ المنطقة المشتعلة، ويعود معها الجنوبيون إلى ما تبقى من أرزاقهم، ويعيدوا بناء ما دُمّر في ظل غياب رسمي عن أوجاع الجنوبيين.