وكأنه لا ينقص هذه الحكومة المستقيلة والتي من واجبها تولّي تسيير الاعمال، المزيد من المشاكل والمتاعب والمواجهات العبثيّة مع القوى السّياسية، في وقت اكثر ما يحتاج اليه لبنان هو وحدته والتكاتف. فعلى وقع احتجاجات المتقاعدين العسكريين خارج السراي الكبير لتحصيل حقوقهم، اتخذت الحكومة قراراً قضى بتعيين العميد حسان عودة رئيساً لاركان ​الجيش اللبناني​. هذه الخطوة المفاجئة، تركت تداعيات كبيرة واثارت الكثير من الكلام في السرّ والعلن يحمل في طياته مشاهد استهداف للطائفة المسيحيّة، واعطت دفعاً معنوياً مهماً للمنادين بحقوق المسيحيين.

بداية، لا بد من الاشارة الى كيفيّة تعيين رئيس الاركان في الجيش ومهامه، وهي كالتالي: " يعيَّن رئيس الأركان من بين الضباط العامين المجازين في الأركان من الذين لم يسبق أن وضعوا في الاحتياط، وذلك بمرسوم يتخذ في ​مجلس الوزراء​ بناء على اقتراح وزير الدفاع الوطني، بعد استطلاع رأي قائد الجيش. ينوب رئيس الأركان عن قائد الجيش في حال غيابه ويمارس مهماته وصلاحياته طوال فترة غيابه".

مصادر قريبة من التيار الوطني الحر، استغربت اقدام الحكومة المكلّفة تسيير الاعمال على مثل هذه الخطوة، لانّها لا تصب في مصلحتها، واعتبرتها هفوة كبيرة صبّت في خانة رئيس التيار النائب ​جبران باسيل​، الذي طالما حذّر من ان رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي والوزراء الباقون "يسيطرون" على صلاحيات رئيس الجمهورية، ويجب التصدي لمثل هذا الامر. واضافت المصادر انه فيما تمّ الى حد ما القبول بالتحدّي الذي طرحته الحكومة المستقيلة عبر السيطرة على معظم صلاحيات رئيس الجمهورية، فإن ما قامت به اخيراً كان بمثابة "القشّة التي قصمت ظهر البعير"، ولفتت الى ان الجميع رأى صحة ما نادى به باسيل منذ اليوم الاول لانتهاء ولاية الرئيس السابق العماد ​ميشال عون​، مستذكرة حادثة مماثلة حصلت حين طالب هو نفسه (اي باسيل) بالحد من النزوح السوري والسيطرة عليه فتم اتهامه بالعنصرية قبل ان تعلو اصوات الجميع بوجوب التصدي لهذا الملفّ الذي تحوّل الى عنصر تهديد لهوية لبنان ووجوده. ونصحت المصادر بالوقوف الى جانب باسيل اليوم قبل فوات الاوان، ورفض القرار الاخير والا فقد لا ينفع الندم بعدها.

هذا الكلام تقاطع الى حد ما مع ما قالته مصادر مطلعة على موقف الاحزاب والنواب المسيحيين، الذين اعتبروا ان التعيين كان بمثابة هدية مجانية لباسيل، واعطاه الزخم اللازم لتعويض ما تم خسارته في المرحلة السابقة. وسألت المصادر: ما هو الامر الطارئ الذي يُلزم الحكومة تعيين رئيس للاركان بعدما تم اقرار التمديد لقادة ​الاجهزة الامنية​ ومنهم قائد الجيش ​العماد جوزاف عون​ لسنة كاملة؟ أليس رئيس الاركان بمثابة "نائب قائد الجيش"؟ فما الحاجة الى النائب في وجود القائد؟ وهنا لفتت الى انّ الحكومة دانت نفسها بنفسها، فأوحت بأن التعيين اتى لارضاء رئيس الحزب الاشتراكي السابق ​وليد جنبلاط​ فقط لا غير. كما سألت: لمذا اقامت الحكومة نفسها الدنيا ولم تقعدها لتجنّب تعيين قائد للجيش، ألم يكن من الاسهل القيام بهذه الخطوة خصوصاً وان القائد (بالنسبة الى الجيش) أهم من رئيس الاركان؟ ولماذا يجب ارضاء كل الطوائف الا المسيحيين؟ وغمزت المصادر من قناة ​حزب الله​ والنائب باسيل، فسألت: ألم يسبق للحزب ان اطلق موقفاً واضحاً وصريحاً على لسان امينه العام السيد حسن نصر الله بعدم القبول باجراء تعيينات في غياب رئيس الجمهورية؟ فما الذي تبدّل ولماذا تخلى عن حليفه السياسي (اي التيار الوطني الحر) في هذا السياق؟ وبغض النظر عن الموقف من سياسة وزير الدفاع الحالي، فلماذا مخالفة القوانين واعتماد سابقة بتحييد الوزير عن امور تدخل في صلب مهامه وصلاحياته؟.

ولفتت المصادر الى ان التعيين سيخلق مشاكل كبيرة، في ظل وجود توجه لرفع المسألة الى مجلس شورى الدولة، وهو ما من شأنه تجميد صلاحيات رئيس الاركان الجديد الى حين البت بالموضوع، فيما ستكبر المشكلة بين وزير الدفاع وقيادة الجيش بدل ان تتقلّص، اذا ما قرر الوزير عدم التوقيع على ما يُرفع اليه عند الحاجة من قبل رئيس الاركان.