يمهّد رئيس الحكومة الاسرائيلية الطريق أمام عملية عسكرية واسعة في منطقة رفح داخل قطاع غزة، رغم كل الصراخ الذي علا مؤخراً داخل الإدارة الاميركية لرفض هكذا عملية، ولكن بالنظر الى أصل المسألة يبدو أن هناك موافقة اميركية، فالإدارة التي تسعى لتحصيل انتصار سياسي لاسرائيل، تستطيع الاستفادة من اي إنجاز عسكري قد يحصل في رفح، رغم أن البوادر لا توحي بإمكانية تحقيق ذلك.

منذ أيام كاد الموقف الأميركي من الحرب على غزة وعملية رفح المفترضة يصل حد "الندم"، ولكن اليوم باتت الصورة أوضح فالأميركي لا يعارض العملية، ولا يرغب حتى بتوقف الحرب الآن، وهنا لا يمكن قراءة الموقف الأميركي الحالي إلا بالسياق القائم منذ بداية العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، أي التغطية الكاملة لما يحصل، في مقابل إطلاق المواقف التي توحي بأنها لا توافق على ما ترتكبه إسرائيل من مجازر بحق المدنيين في غزة من أطفال ونساء ورجال لا علاقة لهم بالمقاومة الفلسطينية المسلحة.

هذه الإزدواجية في الرؤية الأميركية، تعود بالدرجة الأولى إلى السعي الأميركي لتفادي التداعيات السلبية الناجمة عن هذه التغطية، خصوصاً بالنسبة إلى علاقاتها مع حلفائها التقليديين من الدول العربية، على رأسهم المملكة العربية السعودية التي تسعى أميركا لإعادتها على طريق التطبيع مع الاسرائيليين، إلى جانب خشية الإدارة الحالية برئاسة جو بايدن من تأثير كل الحرب الدائرة على غزة على أصوات الناخبين العرب والمسلمين في الإنتخابات الرئاسية المقبلة.

على الرغم من ذلك، تبقى الخشية من تداعيات ما يحصل على مستوى رقعة المواجهات العسكرية، نظراً إلى أن واشنطن، بالرغم من دعمها المطلق لتل أبيب، لا تريد الإنجرار إلى الحرب الشاملة، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يعتبر، على ما يبدو، أن هذه الحرب هي طوق النجاة الوحيد المتاح أمامه، لذلك تجري الولايات المتحدة مفاوضات مع الايرانيين لتجنب هذه الحرب، مع وجود رغبة لدى طهران أيضاَ بعدم الانجرار إليها.

لم يعد السؤال في الولايات المتحدة الأميركية حول مدى خسارة الإدارة الحالية والمرشح للرئاسة بايدن في الحرب القائمة، بل حول ماذا يمكن أن تفعل الادارة لوقف الخسائر واستعادة بعض الأصوات، إذ لا يكفي ما تقوم به داخل أميركا من لقاءات للناخبين مع المسؤولين في الحزب الديمقراطي، لانهم لن يصدقوا الأقوال التي تدحضها الأفعال، لذلك قد تكون عملية رفح ضربة قاسية إضافية في مسيرة بايدن والحزب الديمقراطي الانتخابية، ولعلها تكون ضربة قاضية أيضاً.

هناك من يقول بأن نتانياهو تمكن من الوقوف بوجه الأميركيين وأفشل لهم كل المساعي، من التوصل الى هدنة وصفقة لتبادل الأسرى، مروراً بوقف الحرب والمجازر، وصولاً الى الحديث عن اليوم التالي والذي يتضمن رؤية أميركية تُتيح للاسرائيليين الحصول على تطبيع مع أهم وأبرز دولة عربية مقابل الدولة الفلسطينية المستقلة، وهناك من يقول بأن كل هذا الرفض منسق بين الأميركيين والاسرائيليين لأن الأميركي لو أراد الضغط حقيقة لتمكّن من فعل ذلك خلال 24 ساعة من خلال وقف التسليح، ولكن الأكيد بكل هذه السردية هو ارتفاع منسوب خسارة الرئيس الأميركي للمعركة الانتخابية الرئاسية باكراً.