المطّلع على الوضع اللبناني يدرك مدى الانقسام السياسي الحاد بين جميع اركانه وخاصة بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، كل السلطات السيادية من حكومية وبرلمانية وقضائية مقيدة لعدم وجود رئيس للبلاد. على الرغم ان اتفاق الطائف عام 1990 اعطى الكثير من الصلاحيات الى الحكومة مجتمعة. لكن الوضع الحالي وعدم انتخب رئيسا للبلاد أوقعت البلاد في فراغ دستوري وأزمة دستورية فتحت الباب امام فذلكات وتحليلات دستورية لم يأت على ذكرها اتفاق الطائف. ان كل الطبقة السياسية أوقعت البلد في متاهات دستورية عقدت الحياة السياسية والنيابية والمالية. ولعل أبرزها هل يمكن التشريع في غياب رئيس الجمهورية، هل تنتقل صلاحيات رئيس الجمهورية الى الحكومة مجتمعة في ظل وضع طارئ ومتأزم في لبنان والمنطقة، واخرها هل يمكن وضع موازنة عامة قبل انتخاب الرئيس وما اثارته من خلافات عميقة داخل مجلس النواب.

كل هذه التساؤلات وغيرها تدفعنا الى القول طالما ان الوضع استثنائي لا يمكن الا ان يكون الحل استثنائي، فالحلول الخارجية عاجزة امام التناقض الحاصل والحل الداخلي صعب المنال. لم ينص الدستور اللبناني شأنه شأن أي دستور اخر على الحلول الاستثنائية.

حيث يتألف الدستور اللبناني من مئة ومادتين بما فيها المواد المعدلة او الملغاة من القوانين الدستورية وتعديل العام 1990، فأصبح الدستور اللبناني مؤلفاً من ناحية الشكل من مقدمة و90 مادة تتضمن احكاماً فعلية تتوزع على أبواب وفصول.

ولما كان دستور 1926 وتعديلاته حتى عام 1990 قد اتى خالياً من مقدمة له، عمل القانون الدستوري رقم 18 على إضافة مقدمة للدستور تتناول المبادئ والمسلمات في ركائز الدولة اللبنانية.

ولكن اقسام الدستور اللبناني يشوبها العيب من ناحية التبويب والإبقاء على مواد ملغاة وهي لا تتوافق بشكل جيد مع الصورة السابقة للدستور، ناهيك على ان الدستور اللبناني لا يحتوي على كامل الاحكام التي تستند اليها الدولة بهيئاتها كافة مما يستدعي الرجوع الى سائر القوانين التنظيمية في الدولة.

كما قلنا سابقا، طالما ان الوضع استثنائي لماذا لا يكون الحل استثنائيا، وهنا يمكن ان نطرح إشكالية عند وجود عجز في تطبيق الدستور او خلل او اهمال او تعمد في تطبيق وتفسير الدستور بطريقة خاطئة، وطالما ان المجلس الدستوري لم يمنح النظر في المسائل المصيرية، وطالما ان اتفاق الطائف نص صراحة في المادة 22 منه على ما يلي: "مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي يستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية".

في الذكرى 33 لاتفاق الطائف وبرعاية المملكة العربية السعودية عقد مؤتمر في بيروت واعيد طرح مسألة مجلس الشيوخ تنفيذا لما اتى به اتفاق الطائف ولكن الإجابات أتت تعبيرا عن الوضع الطائفي بالبلد وابرزت مدى الانقسام الذي يمكن ان ينشأ عنه انشاء مجلس الشيوخ.

وفي تحليل قانوني بسيط للمادة 22 من الدستور وفي حال تم انشاء المجلس المزعوم هل يمكن ان يكون الحل عند الخلافات الدستورية؟.

أبرز ما يميز المادة 22 من الدستور هو انه لا يشكل مجلس الشيوخ الا بعد اجراء انتخابات برلمانية على أساس وطني ولكن هل عبرت القوانين الانتخابية واخرها القانون النسبي عن الأسس الوطنية التي تتحدث عنها هذه المادة، بل العكس اثمرت كل القوانين الانتخابية على طبقة طائفية حزبية أبقت البلد في إطار ضيق تديره مصالح الأحزاب السياسية.

ان مجلس الشيوخ يمكن ان يكون حلا دستوريا بعيدا عن تعديل الدستور الانتقائي وخاصة عندما حدد انه ينظر بالأمور المصيرية، والبعض ربط الأمور المصيرية بالمادة 65 الفقرة 5 التي حددت المواضيع الأساسية التي تحتاج لموافقة ثلثي أعضاء مجلس الوزراء. ولكن هذا الكلام مردود لان ما نصت عليه هذه المادة صراحة يدخل ضمن صلاحيات خاصة برئيس الجمهورية والحكومة ومجلس النواب، ولما كان الدستور اللبناني ينص صراحة على مبدأ الفصل بين السلطات فان أي اعتداء من سلطة على أخرى يبقينا في دوامة المواقف السياسية الحادة التي دمرت البلد. واستطرادا لا مانع من تعديل المادة 22 من الدستور وتضمينها نصا يمنح مجلس الشيوخ صلاحية النظر بالأمور المصيرية بعد تحديدها صراحة وخاصة في ظل الفراغ الدستوري في مراكز السلطة ولا يهم من يرأسه طالما تضمن الدستور كيفية انشائه وصلاحيته بشكل أساسي وجازم.

الحلول لا يمكن ان تكون الا من خلال النصوص الدستورية ولما كان مجلس النواب الركن الأساسي في البلد في ظل غياب رئيس الجمهورية واختلاف الآراء حول صلاحية الحكومة في ظل غياب رئيس الجمهورية ، ولما كان نص المادة 22 واضح بشأن الأمور المصيرية ، ولما كانت الأمور المصيرية تدخل في سياق الظروف الطارئة وحسن سير وانتظام المؤسسات، ولما كان مجلس النواب يحتم عليه الدستور الانعقاد بشكل دائم لانتخاب رئيس الجمهورية، ولما كان التشريع من صلاحيات مجلس النواب فلا تثريب من تعديل مادة قانونية وانتخاب مجلس للشيوخ يمكن ان يحمل حلولا للبلد.