"الحَربُ على الأرضِ مُخالِفَةٌ لِإرادَتي! بِلُقاحِ المَحَبَّةِ لَقِّحِ التُرابَ. أُسكُبِ السَلامَ في كَبِدِ الأرضِ، والعَسَلَ في قَلبِ الحُقولِ. أبعِد عَنكَ هَراوَتَكَ وَسِلاحَكَ... نَحوي لِتُسرِعِ خُطاكَ فَلَدَيَّ رِسالَةُ أُبلِغُكَ إيّاها، وَكَلِمَةً أُعيدُها عَلَيكَ. إنَّها رِسالَةُ الشَجَرَةِ، وَوَشوَشَةُ الحَجَرِ، وَهمسُ السَماواتِ مَعَ الأرضِ، والمُحيطاتِ مَعَ النُجومِ..."

هي تِلكَ وَصِيَّةُ إيلَ، الإلِهُ-الأبُ، الى إبنِ الإنسانِ، حَمَّلَها الى الِإلَهَةِ-الأُمِّ، شَفيعَةِ الخَلائِقَ، لِكَيما الإلَهُ-الإبنُ، في الثالوثِيَّةِ الُلبنانِيَّةِ-الفينيقِيَّةِ، يَصونَ الإنسانِيَّةَ بِكَونِهِ قُدوَةُ تَمَثُّلِ أبنائِها.

كانَ ذَلِكَ، ما قَبل قَبلَ الألفِ الثالِثِ قَبلَ الميلادَ، يَومَ كانَتِ بيبلوسُ عاصِمَةَ لبنانَ الروحِيَّةَ.

في هَذا التَمَاثُلِ الكُليِّ، حَمَلَ إيلُ (وَجَذرُ إسمِهِ "إي" يَعني قُوَّةَ الحَياةِ، وَفي الآراِمِيَّةِ-السُريانِيَّةِ "إيلونو" أيّ السِندِيانَةُ القَوِيَّةُ، و"أيِّلُ" الكِبشُ الجَبّارُ السائِرُ في طَليعَةِ القَطيعِ) لِلعالَمِ مَدارِكَ الخَليقَةِ المُثَلَّثَةِ، بِمَقاماتِ صَونِها نِقِيَّةَ الجَسَدِ، سَليمَةَ الروحِ، مُختَزِنَةً النَفسَ بَينَ الجَوهَرِ والذاكِرَةِ والوَعيِ.

هي الخَليقَةُ، بإنسانِها وَكائِناتِها كَينونَةُ وِحدَةٍ بَينَ السَماءِ والأرضِ، مِنَ الماضِي الى الحاضِرِ فَالأواتي، وِفقَ إيلَ-الُلبنانِيَّ. بَيتُ مَقدِسٍ واحِدٍ. تَجَسُّدُهُ في الإدراكِ والأعماقِ. في الحَضارَةِ قائِمٌ، لا هاجِعاً في مَسرى الإقصاءِ.

مُذ أطلَقَها، الُلبنانِيُّ-إيلُ، تِلكَ الصَرخَةِ، مُتَوَّجَةً بِالأُلوهَةِ، أرسى زَمَنَ العالَمِ: بَطَلُهُ الأساسُ، الإنسانُ، الذي يُحيطُ بِوجودِهِ، بانيَ السَلامَ-الحَقَّ، وَسطَ الوجوداتِ الأُخرى (الكَواكِبُ، الطَبيعَةُ...). وَشَرعِيَّتُهُ الأساسُ، إكمالُ الخَلقِ غايَةِ التَرَقِّيَ. فيهِ، ذاكَ الإكمالُ، الطَبيعَةُ بِقِواها، والنَفسُ البَشَرِيَّةُ بِروحِها، مَعاً، ثَباتٌ في التَحلِيقِ فَوقَ الزَمانِ وَأسمى مِنَ المَكانِ. في هَذِهِ القابِلِيَّةِ التامَّةِ لِلحَياةِ، يُحِدِّقُ الإنجِذابُ، وَمِن ثَمَّ الإفتِتانُ بالقِمَمِ النابِضَةِ بالإرتِقاءِ لِأنَّها مُنتَصِرَةٌ على الفَناءِ.

هوَذا الفِعلُ الداعِيُ إلَيهِ إيلُ إبنَ الإنسانِ في الخَليقَةِ. بِهِ، دَمَاً وَتُراباً، يَغدو المَلءَ. مَن دونِهِ، مُهدورَ الدَمِّ، شَهيدَ الجَسَدِ، هو الفَراغُ وَقَد إجتَّثَ جُذورَهُ بِهَراوَتِهِ وَسِلاحِهِ.

قُلتُ: الوَعيُ؟ آخٌ مِن تِلكَ الحَقيقَةِ، كَم مُؤلِمٌ إفتِقادُها! بَديلُها؟ بَينَ الغَباءِ والإنكارِ، الخِيانَةُ. وَتَجِدُ بَينَ البَينِ، فارِغاً-تافِهاً غَيرَ قادِرٍ على الوقوفِ بِوَجهِ الشَمسِ، يأتَزِرُ بِعُريِ عَنتَرَةَ وَيَتَعَنتَرُ بالجَمعِ: "نَحنُ مُستَعِدُّونَ لِلحَربِ!" وَمُستَوحِشاً غَيرَ آبِهِ إلَّا لِلظُلُماتِ، يَستِشيطُ بأساً وَيَندَفِعُ: "هَلُمّوا لِلدَمارِ"!.

ها هوَذا الإنسانُ، إستُلِبَت مَشروعِيَّتَهُ، وَحُسِبَ مَعَ الحَيواناتِ. لا يَعيشُ إلَّا حاضِراً ضَيِّقاً يَزدادُ شَبَهُهُ هَذا كُلَّما تَضاعَفَت غَرائِزُهُ المُبيدَةُ. بَل: كُلَّما ثَبُتَ الأكثَرُ وَحشِيَّةً مُهلِكَةً في الخَليقَةِ، تِجاهَ ذاتِهِ وَتِجاهَ الخَليقَةِ بِأسرِها. في المَوتِ يَربُضُ، وَفي اللامِعنى كِفاياتُ إستِبسالِهِ. في الَلعنَةِ.

مُعطى المَرساةِ

ألَيسَت لَعنَةً، أن يُقصى الُلبنانِيُّ-إيلُ، وَيُستَبدَلَ بآلِهَةٍ وأنصافِ آلِهَةٍ وَمُتألِّهينَ، مِن تُرابِ فَناءٍ، الإنسانُ ضَحِيَّتُهمُ، وَهُمُ لا يَستَجدونَ إلَّا دَمَّ الضَحايا وَلا يَتَقَدَّسونَ إلَّا بالخَليقَةِ ذَبيحَةً؟.

ألَيسَت لَعنَةً، أن يُحَوَّلَ لبنانُ الى الَلعنَةِ المَنزوفَةِ عِقاباً أبَداً، والحاصِدَةِ القَلقَ بِتَقدِماتِ الهُروبِ الدائِمِ مِنَ الأواتِيَ والحاضِرِ والماضيَ؟.

لا! لَيسَ لبنانُ-الإيليُّ وَلَّادَةَ ضُعفٍ، لِيُهزَمَ بِرِعدَةِ التَجرِبَةِ!.

هو الحِصنُ الفاصِلُ بَينَ تَفَكُّكِ الوِحدَةِ الناهِدَةِ إلَيها نَزعاتُ الحُروبِ، وَتماسُكِ الوِحدَةِ الداعِيَةِ إلَيها رِسالَةُ السَماءِ لِلخَلائِقَ.

هو المَنيعُ: مُعطى عَبقَرِيَّةِ الشَهادَةِ. مُعطى مَرساةَ الخَلائِقَ في الخَلقِ، بِواسِطَةِ إبنِ الإنسانِ.

وأكثَرُ! لبنانُ زَرَعَهُ في كُلِّ إبنِ إنسانٍ وَكُلِّ إبنِ الإنسانِ. فَكُلُّ أحِدٍ لُبنانِيٌّ في الصَميمِ، مَتى جَسَّدَهُ إيقاعاتِ يَقظَةٍ بِوَجهِ تَعاقُبِ الرُعبِ، الفاصِلِ رأسَ الخَليقَةِ عَن جِذعِها.

تِلكَ دَينونَتُهُ العُظمَى!.