على وقع زيارة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت أمس، تزامنًا مع المفاوضات الجارية لبلوغ هدنة لستة أسابيع في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة "حماس"، أشارت صحيفة "الجمهورية"، إلى أنّ دافع الزيارة الأساس، وفق ما استخلصته من مطّلعين على أجواء المحادثات التي أجراها هوكشتاين، هو "رغبة اميركية في تجنّب انزلاق جبهة لبنان الى حرب واسعة، تخشى واشنطن من آثارها الكارثيّة على المنطقة بأسرها".

وركّزت على أنّ "اللافت للانتباه هو التحذير الذي اطلقه هوكشتاين من أنّه في حالة نشوب حرب عبر الحدود الجنوبية للبنان، لن تكون قابلة للاحتواء، مستبعداً في الوقت ذاته احتمال ان تنسحب الهدنة في غزة إن تمّ التوصل اليها، تلقائياً على لبنان، متجنّباً بذلك التعارض مع التهديدات المتتالية التي اطلقها المستويان السياسي والأمني في اسرائيل، بأنّ هدنة غزة إن حصلت، لا تعني شمولها جبهة لبنان".

وكشفت معلومات موثوقة لـ"الجمهورية"، أنّ "الوسيط الأميركي حمل في جعبته مشروعاً للحل قديماً جديداً، ينسجم مع مضمون ورقة الحلّ الفرنسيّة، ولكن من دون أن يتبنّاها، حيث انّه في جوهره لم يخرج عن مشروع الحلّ السابق الذي طرحه في زيارته السابقة، ويقوم على الحاجة والضرورة القصوى في هذه المرحلة لإزالة اسباب التصعيد لمصلحة كل الجهات، والشروع فوراً بإجراءات "ترتيبات" تطمئن السكان على جانبي الحدود، مرتكزها الأساس التطبيق الكامل للقرار 1701".

وأوضحت أنّ "هذا يعني إناطة مسؤولية الأمن في منطقة عمل قوات "اليونيفيل" للجيش اللبناني، بالتعاون والتنسيق مع هذه القوات، وإخلاء المنطقة من ايّ مراكز عسكرية ومظاهر مسلحة خارج اطار الجيش، وإعادة إحياء الاجتماعات الثلاثية في الناقورة؛ والشروع عاجلاً في مفاوضات لحسم النقاط الخلافية".

ولفتت مصادر المعلومات إلى أنّ "هوكشتاين ركّز على الشق الأمني على الحدود، مشّدداً على الحاجة الى اجراءات في الجانب اللبناني من الحدود تؤسس للهدوء والاستقرار في المنطقة (الإجراءات يدخل من ضمنها إبعاد عناصر "حزب الله" عن الحدود)".

وذكرت أنّه "إلى جانب تحفّظ لبنان على طلب تطبيق اجراءات تثبيت الامن والاستقرار في الجانب اللبناني حصراً، دون أن تقابلها في الجانب الاسرائيلي أي إجراءات مماثلة على الاقل والتزامات جدّية بتطبيق كلي للقرار 1701 ووقف الاعتداءات على لبنان والخروقات لأجوائه البرية والبحرية والجوية، فإنّ من التقوا هوكشتاين لم يلمسوا تطوراً في مشروع الحلّ الاميركي، لناحية حسم الامور التي يعتبرها لبنان الركيزة الأساس لأي حل، أي حسم مصير الجزء الشمالي من بلدة الغجر ومزارع شبعا وتلال كفر شوبا، لجهة الإنسحاب الاسرائيلي الكامل منها؛ والتي أبقاها المشروع الاميركي معلّقة الى مرحلة لاحقة".

الموقف اللبناني

في السّياق، أكّدت مصادر مطلعة على اجواء محادثات الأمس، لـ"الجمهورية"، تعليقًا على الموقف اللبناني في موازاة المسعى الاميركي لخفض التصعيد ووقف العمليات الحربية في الجنوب، أنّ "لبنان في موقع المعتدى عليه، ولا يسعى الى التصعيد والحرب، وملتزم كلياً بمندرجات القرار 1701، هذا هو موقفه النهائي والثابت. فيما اسرائيل تحاول دفع الامور الى حرب، بينما المقاومة لم تخرج عن قواعد الاشتباك وتتجنّب ذلك، برغم الاستهداف المتتالي من قِبل اسرائيل للمدنيين".

وبيّنت أنّ "الحل الذي يؤمّن الأمن والاستقرار في منطقة الجنوب هو ممارسة الضغوط، وخصوصاً من قِبل الولايات المتحدة الاميركية على اسرائيل، وحملها على وقف اعتداءاتها على لبنان، والانصياع لمندرجات القرار 1701 والانسحاب من الاراضي اللبنانية التي تحتلها".

وشدّدت المصادر على أنّ "الخطر على الأمن والاستقرار في المنطقة ليس مصدره لبنان، بل مصدره اسرائيل. فلبنان كان دائماً ولا يزال في موقع الدفاع عن نفسه، لم يكن يوماً في موقع المعتدي، بل المُعتدَى عليه من قِبل اسرائيل، ويتعرّض للخروقات والاستفزازات الاسرائيلية اليومية. واذا كان المجتمع الدولي حريصاً على أمن واستقرار لبنان، فالأولى به أن يضغط على اسرائيل".

الهدنة ستتمدّد

إلى ذلك، أشار مرجع سياسي لـ"الجمهورية"، تعليقًا على ما قاله هوكشتاين بأنّ الهدنة في غزة قد لا تنسحب بالضرورة على جبهة لبنان، إلى أنّ "حتى الآن هناك مدّ وجزر في المفاوضات الجارية للوصول الى هدنة، وفي خلاصة الامر قد يُعلن عن هذه الهدنة في أي وقت، خصوصاً انّ هناك ضغطاً اميركياً ودولياً لبلوغها. وفور اعلانها، وخلافاً لكل ما يُقال، فإنّ هذه الهدنة ستنسحب حتماً على جبهة لبنان".

واعتبر أنّ "التهديد الاسرائيلي باستمرار التصعيد والحرب على "حزب الله"، محاولة واضحة لفرض ما تريده اسرائيل من ترتيبات في الجانب اللبناني من الحدود تخدم مصلحتها، وعلى حساب لبنان وسيادته، وهو ما لن يحصل على الاطلاق؛ واكّدنا ذلك لكل الموفدين".

وعمّا يُحكى عن انسحاب "حزب الله" من المنطقة الحدودية، قال المرجع: "بعض الموفدين نقلوا الينا هذا الأمر بشكل صريح، وكان جوابنا أنّ هذا كلام فارغ، واسرائيل تعرف قبل غيرها أنّ هذا الأمر لا يمكن أن يحصل لا بالحرب ولا بالمفاوضات السياسية".

حضر الملف الرئاسي

على صعيد متّصل، كشفت مصادر مطلعة على اجواء اللقاء بين هوكشتاين ورئيس مجلس النواب نبيه بري، لـ"الجمهورية"، أنّ "الملف الرئاسي لم يغب عن هذه محادثات، حيث اكّد الوسيط الاميركي الحاجة الملحّة لحسم سريع لهذا الملف، بما يؤدي الى انتخاب رئيس للجمهورية يواكب تطورات المرحلة المقبلة".

وأفاد مطلعون على الموقف الاميركي لـ"الجمهورية"، بانّ "واشنطن تولي موضوع رئاسة الجمهورية في لبنان اهتماماً كبيراً، ورغبة في انجاز الانتخابات على وجه السرعة، وعلى هذا الاساس تحرّك واشنطن دبلوماسيتها، سواءً عبر هوكشتاين او عبر السفيرة ليزا جونسون، كعامل مساعد للمكونات السياسية في لبنان لاختيار رئيس للجمهورية يعبّر عن تطلعات اللبنانيين".

لا ضربة إسرائيلية خلال رمضان

في السّياق، ذكرت "الجمهورية"، أنّ "بأي ثمن، لا يريد "حزب الله" أن تتسع دائرة الحرب، لأنّ ذلك سيكون كارثياً. هو يعرف العواقب جيداً، بما في ذلك التردّدات السلبية على وضعه في الداخل اللبناني، حيث الجميع سيحمّله المسؤولية عن الكارثة المريعة، التي ستزعزع كيان لبنان. لكن الحزب اختار مستوى معيناً من التوتر لا يريد التراجع عنه، وتقتضيه المهمّة المناط بها، كجزء من المحور الحليف لإيران، وهي تخفيف الضغط العسكري عن حركة "حماس" في غزة؛ وهو ما يسمّيه "المشاغلة".

وأوضحت أنّ "عند هذه النقطة الوسطى يقف "حزب الله"، وهو يضبط الأعصاب لئلا يتسبب بانفجار كبير، على رغم الخسائر الموجعة التي أصابته في الأشهر الـ5 الفائتة، بالمقاتلين والكوادر والبنى العسكرية، كما أصابت بيئته وسائر البيئات في الجنوب".

وشدّدت الصّحيفة على أنّ "المشكلة تكمن هنا تحديداً. فإذا كان الحزب يرى مصلحته في اعتماد هذا السقف "الوسطي" من التصعيد، فالإسرائيليون يجدون مصلحتهم في معادلة أخرى. إنّهم يستغلون خوفه من الانفجار الواسع لإجباره على قبول خياراتهم: إما أن تنأى تماماً بالنفس عن غزة وتبتعد عن الحدود مسافة تطمئننا، وإما أن نقوم نحن أنفسنا بفرض هذه المعادلة بالقوة، أي بضربات ساحقة تبدأ بالحدود وتتوسع شمالاً؛ ولا يُعرف مداها والأهداف التي ستشملها".

ولفتت إلى أنّ "المنطق الإسرائيلي يلقى تأييد الأميركيين والفرنسيين والعرب أيضاً. ولذلك، تضغط اللجنة الخماسية على "حزب الله" ليفك ارتباطه بحرب غزة، ما يكفل انتزاع أي ذريعة من يد الإسرائيليين. وهذا تماماً ما يحاول الموفد الرئاسي الاميركي عاموس هوكشتاين التوصل إليه في جولاته كافة".

كما بيّنت أنّ "حتى اليوم، هو يصطدم بالحائط المسدود، لأنّ "الحزب" مع كامل استعداده لإنجاز خطوات عملانية يطرحها الأميركيون، كترسيم الحدود البرية في مواعيد لاحقة، لا يستطيع فك ارتباطه بـ"حماس". كما يطلق إشارات إيجابية في جوانب أخرى، إذ يلتزم الضوابط على خط الترسيم البحري، حيث الإسرائيليون يواصلون أعمالهم كالمعتاد في حقل كاريش".

وأضافت "الجمهورية": "هوكشتاين يُجري المحاولة الأخيرة لإقناع الحزب، وبعدها إما أن "يزول خطره" بالمفهوم الإسرائيلي، وإما أن يبلّغ إسرائيل فشل مهّمته مرة أخرى، فتصبح يدها طليقة لتنفيذ العملية العسكرية وفرض الترتيبات الأمنية التي تريدها في الجنوب بقوة الصواريخ"، مركّزةً على أنّه "أما توقيت الضربة المحتملة، فإسرائيل تربطه بالحرب الدائرة في غزة. فإما أن يتمّ تنفيذها بالتزامن، وإما التفرّغ لها بعد انتهاء الحرب. وهذه المسألة رهن خيارات الجيش في الدرجة الأولى".

وأفادت بأنّ "عدداً من المحللين يعتقدون أنّ إسرائيل ستنصرف إلى الحرب مع لبنان، عندما تنتهي تماماً من حربها في غزة. وإذا كان هذا التقدير في محله، فمعنى ذلك أنّ الحرب في لبنان مؤجّلة لأشهر عدة، لأنّ الحرب في غزة ليست على وشك أن تنتهي، وستجري إطالة أمدها باتفاقات الهدنة، كتلك المتوقعة في رمضان".

وخلصت إلى أنّ "مهمّة هوكشتاين ستقرّر ما إذا كان لبنان مقبلاً على صفقة سياسية مع إسرائيل، تظهر مفاعيلها سريعاً، أو على حرب. وفي هذه الحال، قد تكون الحرب واردة بعد انقضاء الاستراحة النسبية المقرّرة في رمضان، أي بين منتصف الربيع ومنتصف الصيف. ومن الإشارات، أنّ الحكومة الإسرائيلية مدّدت اخلاء القرى الشمالية من المدنيين حتى تموز المقبل. والحروب التي شنتها إسرائيل على لبنان حتى اليوم كانت كلها بين آذار وتموز".

هوكشتاين لا يحمل ضمانات من إسرائيل: يجب احتواء المواجهة جنوباً بأيّ ثمن!

في الإطار نفسه، أشارت صحيفة "الأخبار" إلى أنّ "المبعوث الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتاين عاد إلى بيروت، في محاولة جديدة للتوصل إلى إطار دبلوماسي يمنع التصعيد الكبير بين لبنان وكيان الاحتلال. ولا يمكن فصل هذه العودة، وهي الثالثة له منذ عملية "طوفان الأقصى"، عن مفاوضات الهدنة في غزة، التي تضغط الولايات المتحدة للتوصل إليها قبل بداية شهر رمضان، علماً أنها في المضمون، لا تحمِل تغييراً جوهرياً عمّا حمله معه في المرة الماضية، منطلقاً من فكرة أن "بلاده تضغط لعقد الهدنة، وعليه يُمكن البدء منذ الآن بوضع مسوّدة اتفاق للحل جنوباً، يُعلن عنه فور الإعلان عن هدنة في غزة".

ولفتت إلى أنّه "فُهِم ممّا بين السطور، أن "هوكشتاين جاء لانتزاع ضمانات من لبنان يسوّقها لدى العدو الإسرائيلي"، وهو أمر "غير قابل للبحث"، وفقَ ما قالت مصادر مطّلعة، اعتبرت أن "الأهم مما قاله في الكواليس هو البيان (المكتوب) الذي تلاه من عين التينة ويحمل تهديداً واضحاً".

ورأت مصادر معنيّة بالملف، لـ"الأخبار"، أن "هوكشتاين على المستوى الشخصي، يسعى جدياً لصياغة اتفاق يرعاه على غرار ما حصل في الترسيم البحري"، وأن جزءاً من زيارته يحمِل رسالة واضحة بأن "لا دور للآخرين في هذا الاتفاق، وتحديداً الفرنسيين".

وكرّرت أن "هوكشتاين لا يزال يعمل على ورقة تتضمن أفكاراً تشمل ترتيبات أمنية على جانبَي الحدود وفقاً لمندرجات القرار 1701، لجهة تأمين انتشار أوسع للجيش اللبناني في كل المنطقة الحدودية الى جانب القوات الدولية، بعد تعزيز الجيش بمعدات وتجهيزات عسكرية جديدة، على أن يترافق ذلك مع اتفاق على إنهاء أي ظهور عسكري لـ"حزب الله" في المنطقة، مقابل انسحاب العدوّ من نقاط برية محل تنازع. وهو أرفق مقترحاته بأفكار تتعلق بتوفير برنامج دعم اقتصادي للمناطق الجنوبية، وتعهّدات بضمان استئناف الشركات العالمية التنقيب عن النفط والغاز".

وركّزت الصّحيفة على أنّ "بحسب بعض من التقاهم الموفد الأميركي، فقد كان واضحاً أن الأخير لا يحمل جديداً من الجانب الإسرائيلي، وأنه تحدث عن سلبيات وإيجابيات تتجاذب المفاوضات حول الهدنة في غزة، وأن ما يسعى إليه في لبنان هو ألّا يحصل خلال فترة التجاذب هذه أيّ خطأ يقود الى حرب كبيرة. وقال: "نريد الوصول بأيّ ثمن الى آلية تمنع تدحرج الأمور على الجبهة اللبنانية إلى مواجهة كبيرة، لأنه في حال حصولها فإن أحداً لا يمكنه التحكم بمسار الحرب لاحقاً".

وأضافت: "كان لافتاً أمس استبعاد وزير الخارجية في حكومة تصريف الاعمال عبد الله بوحبيب عن جدول لقاءات هوكشتاين".

وعلمت "الأخبار" أن "هذا الأمر أثار استياء بوحبيب، الذي اعتبر الأمر انتقاصاً له وللدولة اللبنانية، إذ لا يُعقل أن يلتقي الزائر الأميركي نواباً من المعارضة وعدداً من الشخصيات، ويستثني وزارة الخارجية من جولته"، بينما رأت مصادر سياسية أن "رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يتحمل جزءاً من المسؤولية، إذ كان بإمكانه دعوة بوحبيب للانضمام الى اللقاء الذي جمعه بهوكشتاين".