ثلاث أيقونات رئيسيَّة للربِّ يسوع معروفة في الكنيسة:

الأولى تُعرَف بالوجه غير المصوَّر باليد[1]‘ وتُعرَف أيضًا بأيقونة المنديل الشريف، إذ كما هو مذكور، هي كناية عن منديل ظهر وجه الربِّ عليه عجائبيًّا، وأُرسل إلى الملك أبجر ملك أديسا الَّذي كان مريضًا. وجه الربِّ فيها يجمع بين الرصانة من جهة والرحمة من جهة أخرى. كما هو أيضًا وجه الربِّ الَّذي أسلم نفسه طوعًا على الصليب ليفدينا بدمه، على أمل أن نقابله بوجهنا بالمحبَّة الَّتي أعطانا إيَّاها أوَّلًا، وبالرحمة تجاه بعضنا.

الأيقونة الثانية هي الضابط الكلَّ[2] Pantocrator، إنَّه إلهنا الوحيد ومخلِّصنا الوحيد. نرى الربَّ في هذه الأيقونة بشكل نصفيٍّ، وهي أكثر الأيقونات شيوعًا، نراها على حائط الأيقونات Iconostase في الكنائس، وداخل القبَّة في الكنيسة. يكون الربُّ فيها يبارك بيده اليمنى، حاملًا الإنجيل المقدَّس بيده اليسرى، وعادة يكون مغلقًا، بمعنى أنَّ كلَّ شيء قد تمَّ، وكلَّ شيء قد أُعلِنَ، والحقيقة الكاملة "هو"، الربَّ الإله قبل كلِّ الدهور، والإنجيل المقدَّس يشهد على ذلك. الأحرف الثلاثة اليونانيَّة داخل الهالة حول الرأس "OWN" تعني الكائن، واسم يسوع هو «يهوه» و«يشع»، أي الكائن الَّذي يخلِّص، كان وتجسَّد وسيكون إلى الأبد. أمّا الصليب داخل الهالة فيشير إلى صلبه.

الأيقونة الثالثة، وهي الربُّ الجالس على كرسيِّ مجده تحيط به القوَّات الملائكيَّة. ووتظهر أيقونات أخرى عن يمينه والدة الإله وعن يساره القدِّيس يوحنَّا المعمدان، وتعرف بأيقونة الشفاعة، وتشير إلى الأيَّام الأخيرة في المجيء الثاني. وهناك فسيفساء قديمة من أواخر القرن الرابع في بازيليك القدِّيس لورنزو في ميلان - إيطاليا تظهر الربَّ جالسًا على العرش وعن يمينه ويساره التلاميذ.

يظهر يسوع في هذه الفيسفاء غير ملتحٍ، ويبارك بيده اليمنى ويحمل الناموس في يده اليسرى. وتدعى الفسيفاء "الرب الذي يعطي الناموس".

نتوقَّف هنا عند ما يعرف بإنجيل الدينونة الَّذي نقرأه من متَّى (25: 31-46) في الأحد الثالث من فترة التهيئة من زمن التريودي، والَّذي فيه نتوقَّف عن أكل اللحم الحيوانيِّ لكي نتوقَّف فعليًّا عن أكل لحم بعضنا بعضًا. علمًا أنَّ الإنسان قبل السقوط لم يكن يأكل لحمًا.

يبدأ المقطع الإنجيليُّ: «ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القدِّيسين معه، فحينئذٍ يجلس على كرسيِّ مجده».

هذا مشهد الدينونة حيث يقوم الربُّ بإطلاق حكمه العادل علينا بحسب رحمتنا لبعضنا.

عبارة ابن الإنسان الَّذي أعطاها يسوع ملئها بتجسُّده، تردُّنا إلى رؤيا[3] النبيِّ دانيال عن ابن الإنسان الَّذي له السلطان المطلق الأبديُّ والمجد والملكوت وتتعبَّد له كلُّ الشعوب. وهو الجالس على العرش في رؤيا يوحنَّا (رؤيا 11:4).

السؤال المهمُّ هو أنَّه إذا عدنا إلى الفسيفساء أعلاه، ما هو يا ترى الناموس الَّذي يحمله الربُّ بيده؟

الجواب هو كلمة واحدة، أن نكون أناسًا. فالربُّ تجسَّد ليعلِّمنا كيف نكون بشرًا، وبالتالي نرتفع إلى الإلهيَّات، إذا عشنا بشريَّتنا باتِّحاد مع يسوع. هذا يُترجم أوَّلًا بقلب محبٍّ مليء بالرحمة والشعور بالآخر.

خطيئة الإنسان الكبرى عبادة ذاته، وعدم الإحساس بالآخر. الربّ يسكن في كلِّ واحد منَّا لأنَّه خلقنا على صورته، فكلُّ عمل إذًا نقوم به، نكون في الواقع، نقوم به تجاه الربِّ. هذا تمامًا الَّذي قاله.

والنقطة الجوهريَّة تكمن في العمل الإيجابيِّ، أي سنحاسب على ما كنَّا نستطيع أن نفعله تجاه إخوتنا ولم نفعله، لهذا كان الربُّ حازمًا في قوله: «بما أنَّكم لم تفعلوه بأحد هؤلاءِ الأصاغر، فبي لم تفعلوا».

لذا الفرق رهيب بين «فكلُّ ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضًا بهم، لأنَّ هذا هو الناموس والأنبياء» (مت7: 12)، وبين «كلُّ ما لا تريدون أن يفعل الناس بكم لا تفعلوه».

الربُّ قال الأولى لأنَّه يشدِّد بشكل واضح على الإقدام في العمل الخيِّر والمثمر والجيِّد، وليس الاكتفاء بعدم فعل أيِّ شيء سيِّئ مع الآخرين.

نحن مطالبون لهذا نحن مسؤولون. نحن يجب أنت نتحرّك بعمل المحبة تجاه الآخرين وليس أن نبقى في الجماد. فقوة الله إن سكنت فينا تجعلنا نمتد ونمتد إلى كل البشرية دون أي تمييز وحدود.

خلاصة، الأيقونة في الكنيسة تنبثق من الإنجيل لتذكِّرنا بالإنجيل. وكلُّ مرَّة نشاهد فيها أيقونة الربِّ الجالس على العرش، أكان بمفرده أم محاطًا بالملائكة والقدِّيسين، يجب أن نضع أمام أعيُننا لحظة الدينونة الرهيبة، حيث لا محاباة في الوجوه، بل كلُّ أعمالنا مكشوفة أمام الربِّ القدُّوس.

إلى الربِّ نطلب.

[1]. Greek word ἀχειροποίητον (akheiropoíēton), ἀ- (the alpha privative”) + χείρ (kheír, “hand”) + ποιεῖν (poieîn, “to make”.

[2] . Pantocrator is "Almighty" or "All-powerful". Greek words πᾶς, pas (GEN παντός pantos), "all" and κράτος, kratos, "strength", "might", "power".

[3]. «كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ. (دانيال 13:7-14)