الترقب سيد الموقف وانشغال إقليمي بالبحث عن مخارج لوقف النار في قطاع غزة، والأمل معقود ان ينسحب ذلك على جبهة جنوب لبنان، مشهد المدنيين في غزة وحصارهم تصدر قائمة الاهتمامات لدى الرأي العام الدولي، أما اسرائيل وضعت هذه الورقة للضغط فيها على طاولة المفاوضات، أهالي غزة والشريط الحدودي في جنوب لبنان قلقون من تلاشي فرصة الوصول إلى حل نهائي يكون كفيلا بعودتهم إلى بلداتهم رغم الدمار، فالأمل معقود بالوصول إلى حلّ يرسمون على أثره خارطة حياتهم وترميم ما دمرته آلة القتل الاسرائيلية، او أقله الوصول إلى هدنة وان كانوا لا يحبذونها لكن بالإمكان حينها تأدية فريضة الصوم في شهر رمضان في منازلهم، ولكن القلق يبقى قائما، فأهالي الجنوب يتوجسون عودة العمليات كما قبل الهدنة، بالتالي عليهم جمع ما تبقى من أغراضهم والعودة إلى الخلف مجددا، وهكذا حال المستوطنين في الشمال الاسرائيلي وخيار رحيلهم عن أرض اغتصبوها وعودتهم إلى حيث أتوا من بلاد الغرب وافريقيا .

سيبحث ابن الجنوب عن عمل خارج قرى الحدود او سيكون الخيار الصمود في قريته خاصة لمن ضاقت بهم السبل، وهذا مؤشر يُنذر بخطورة إفراغ القرى من أهلها لذلك نجدهم يأملون من كل القوى اللبنانية الوطنية رسم خارطة طريق لهم يحددون على أساسها مسار حياتهم.

ولكن ماذا لو ضاعت كلا الفرصتين اي إنهاء الحرب او الهدنة الموقّتة وهم على أبواب شهر رمضان وما يتطلب من مستلزمات للحياة اليومية، خاصة بعد مرور خمسة أشهر عليهم دون عمل حيث لا مداخيل لديهم، وما ادخروه قد نفد لدى غالبيتهم؟ وماذا عن البيوت الذين حلّوا ضيوفا فيها وعودة معظم مالكيها إليها في فترة الأعياد وفصل الربيع؟.

هنا يبرز التساؤل أين اصبحت خطة الطوارئ التي وضعتها حكومة تصريف الأعمال منذ أشهر؟ من أين تأتي بالاموال ولبنان يرزح تحت وطأة ازماته المالية والاقتصادية؟.

لماذا هذا التغافل عن أحوال النازحين من جنوب لبنان؟ هل الرهان معقود على الدبلوماسية لوقف النار في الجنوب وانتظار قدوم المبعوث الاميركي آموس هوكشتاين؟ ماذا لو فشلت محاولاته؟ ماذا لو استمرت الحرب في فلسطين لسنوات، هي على هذا الحال في كل الأحوال؟.

حتى الآن ما يصرح به الجانبان اللبناني والاسرائيلي هو ضرورة تطبيق القرارا 1701 الذي على اثره توقف عدوان تموز 2006 في لبنان، ما تريده إسرائيل اليوم بالتحديد من لبنان هو منطقة منزوعة السلاح جنوب الليطاني كما جاء في نص القرار، هذا لضمان حدودها المزعومة.

وهل لذلك سبيل في تنفيذه؟ اعتقد ان ذلك ما يصبو اليه العدو فمجيء هوكشتاين هو لرسم آلية لتحقيقه، وذلك لن ولم يتحقق ما دام العدو على الحدود .

اذا كل السيناريوهات محتملة فإذا لم يحقق العدو ذلك بالدبلوماسية كما يصرح دائما فخيار الحرب مفتوح جوا بوتيرة أعلى من الوضع الحالي. وإذا ما قرر العدو بعد التوافق على هدنة او وقف الحرب في غزة ان يشمل ذلك جنوب لبنان فهذا لا يعني أن حساباته مع لبنان أقفلها، بالتالي خشية الأهالي من التعايش مع حالة اللاستقرار سيكون أقرب الحلول.

في الوقت عينه، لا تخفي مصادر متابعة لاحوال النازحين جنوبا من خشية محاولات العديد من جمعيات الـNGO ان تدخل على الأهالي من باب الحاجة بعد ما طالت عليهم ايام الحرب، كل ذلك يضع قوى المتابعة امام ضرورة التنبّه للحالة المعيشية للنازحين.

أما على المقلب الآخر قد يستمر العدو بالمراوغة في المفاوضات لفرض هدنة موقتة وعدم الانسحاب من غزة حتى اليوم قبل الأخير من بداية شهر رمضان مستخدما كل الوسائل الغوغائية، على حافة الساعات يُخاطر العدو قبل الدخول بالشهر المبارك حينها ممكن أن يتنازل عن بعض سقوفه العالية، متحسبا لما قد تؤول اليه الأمور في الضفة الغربيّة والقدس في حال استمرت الحرب في غزة، وهو يدرك خطورة ذلك وإلا لما شهدت مراكز القرار تسارعا لاتخاذه بكيفية التعاطي مع الاحداث التي قد تندلع في الداخل خلال شهر الصوم، وما يستتبع ذلك من إمكانية حدوث انتفاضة لا يقدر على تحمل تبعاتها في ظلّ جبهتين في غزة وجنوب لبنان، فهل يتنازل العدو ويُقدم على ابرام صفقة مع حماس، أم انه سيُشعل النار بنفسه ويفرض على أميركا ومن معها بالقدوم لنجدته وفتح أبواب الحرب بالمنطقة. قد يعتقد البعض ان أميركا ترغب بوقف الحرب في غزة وانعكاس ذلك ايجابا على جبهة لبنان، إلا أن هذا الاعتقاد لا يمكن أخذه على محمل الجد خاصة بعد استخدامها لحق النقض الفيتو عند كل محاولة لوقف اطلاق النار، فلو كانت تريد ذلك لقامت بتقديم مشروع قرار لها إلى مجلس الأمن وتم اقراره كما حدث في عدوان تموز 2006 على لبنان.

في مطلق الأحوال وفي ظلّ تعدّد السيناريوهات المفترضة إلا أن الثابت الوحيد هو ضرورة حماية البيئة الحاضنة وتضافر الجهود لتشكيل جبهة داخلية تُعنى بشؤون المدنيين ليس في هذه المرحلة فقط، انما تثبيتها كركيزة اساسية، فطالما هناك عدو على الحدود لا بد من جبهة داخليّة دائمة...